المشاركات الشائعة

07‏/07‏/2012

القضاء يحسم مصير عادل امام بتهمة ازدراء الأديان 12 ايلول


2012-07-06


القاهرة ـ قرر القضاء المصري حجز استئناف الفنان عادل إمام على الحكم الصادر ضده بالحبس 3 أشهر مع الشغل، في دعوى ازدراء الأديان المقامة ضده من أحد المحامين الملتحين، للحكم بجلسة 12 ايلول (سبتمبر) المقبل، وسط غياب لعدد كبير من الفنانيين الذين كانوا يحرصون على الاحتشاد والتظاهر للتنديد بالمحاكمة.
واستمعت محكمة جنح مستأنف الهرم بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة، في جلستها لدفاع الفنان وكذا مقيم الدعوى، ولم تسمح لمصوري الصحف وكاميرات التليفزيون بتصوير وقائع الجلسة التي انتهت لحجز القضية للحكم في ايلول (سبتمبر) المقبل.

ودفع لبيب معوض، رئيس هيئة الدفاع عن عادل إمام، بعدم جواز نظر الدعوى، لسابقة الحكم فيها، أمام محكمة جنح العجوزة، والتي برأت ساحة عادل إمام وآخرين، تم توجيه نفس الاتهامات إليهم، وهم نادر جلال ولينين الرملي، وشريف عرفة، ووحيد حامد ومحمد فاضل. وقال دفاع "إمام" إن الحكم بالبراءة لم يطعن عليه بالاستئناف، وهو ما يجعله نهائيا وباتا، الأمر الذي لا يجوز معه نظر هذه الدعوى أمام المحكمة.

وحضر عدد قليل من أعضاء المهن التمثيلية، فيما غاب الفنانون عن الجلسة، على عكس جلسات نظر القضية أمام محكمة أول درجة، التي كانت تشهد حضور عشرات الفنانين، أعضاء جبهة الإبداع، ورفع أعضاء النقابة الحاضرين الجلسة لافتات كتبوا عليها: "لا لتقييد حرية الإبداع.. وثورة ثورة حتى تتحقق مطالبنا".

وكانت المحكمة قد قضت قبل أشهر بحبس عادل إمام وتغريمه 10 آلاف جنيه، بتهمة ازدراء الأديان في أعماله الفنية، وهو ما أيدته محمكة الجنح في الاستئناف الأول، ولم يتبق أمام الزعيم سوى الاستئناف الثاني، ومعه يكون الحكم نهائيا وواجبا للتنفيذ في حالة تأييد القاضي للحكم السابق.

وكان منصور عسران، محامي، قد أقام دعوى قضائية ضد الفنان عادل إمام، اتهمه فيه بازدراء الأديان من خلال أعماله الفنية، والتي خصص منها مسرحية الزعيم، وفيلمي طيور الظلام ومرجان أحمد مرجان.

06‏/07‏/2012

المخابرات السرية



 إن المخابرات السرية هي مجال للنشاط الإنساني يبدو فيه – كما هو الحال غالبا – أن الوضوح ليس سوى ظاهرة يكتنفها الغموض .وليس هذا فقط شيئا متأصلا في أعمال المخابرات ولكنه غالبا شئ متعمد إلى وليس من النادر أن يئول إلى الفشل إلى ولنأخذ لذلك مثالا بسيطا عن " الشبيط " وهو نوع من السمك الرخو الذي يفرز من جسمه سائلا أسود اللون إلى لإخفاء اتجاه تحركه عن عدو كامن متربص له .. فالذي يحدث هو أن عدو الشبيط لن يحاول فقط إختراق تلك السحابه المظلمه ( وهي محاوله من المحتمل أن تؤدي إلى الفشل ) بل أنه أيضا سوف يحسب إلى من خلال معلوماته عن التيارات المائيه إلى والتكوين الصخري تحت الماء إلى وما إلى ذلك إلى اتجاه النجاة المحتمل أن يسلكه عدوه أو فريسته .
وفي غضون ذلك قد يصاب الشبيط نفسه بالارتباك إلى ويضل طريقه في المتاهة السرية التي خلقها بنفسه إلى بل وربما لازمه سوء الحظ إلى فما أن يبرز من تلك السحابة السوداء حتى يجد نفسه مباشرة بين فكي عدوه .
وثمة مثال آخر للمخابرات السرية إلى يتمثل في الخداع " البلف " الذي يمارسه لاعب البوكر . ذلك أن أي لاعب بوكر يعرف طبيعة هذا النوع من الحيل الخادعة . فهو ببساطة يستطيع بحركة بارعة يبديها أثناء المقامرة إلى إقناع لاعب أو أكثر من خصومه بأن لديه أوراقا أفضل مما لديهم إلى فينسحبون رغم أن أوراقهم هي الأفضل إلى وعندئذ يكسب اللاعب الماهر نقودهم إلى دون أن يكشف لهم أوراقه " السرية " .
وثمة حيلة أخرى أكثر تعقيدا تعتمد على سلسلة من أعمال " البلف " لإقناع الخصوم إلى بأنه يخدعهم فعلا مرة أخرى ( وعندئذ يحسبون انه ليست لديه أوراق تتفوق على ما لديهم بينما هو في الحقيقة يملك أوراقا ممتازة تكسب ما لديهم ) .
والحق أن الجمع بين أعمال الخداع " البلف " واللا خداع والخداع المضاد إلى تكاد أن تكون بلا حدود . ولاعب البوكر الماهر يمكنه أن يكسب الكثير من المال وبذا يتيسر له أن يدفع لزوجته أو لعشيقته ما يمكنها من التعامل مع أفضل صانعي الأزياء !.
ومن أنواع الخداع أيضا ما يعتبر لونا من العبث إلى مثل المكالمات التليفونية المجهولة إلى عن وجود قنبلة في مكان ما كمحطة سكة حديد كبرى مما يؤدي إلى إخلائها من الناس .
إن هذه الأمثلة السابقة المأخوذة من الحياة اليومية العادية إلى هي مجرد نوعين من بين آلاف غيرها إلى مما يمكن أن نقابلها كثيرا إلى وان لم يكن بصفة مستمرة .
بيد انه يجمع بينهما جميعا صفة مشتركة إلى وهي التنافس بين القدرات العقلية إلى مما يعني وجود علاقة قائمة على التعارض بين طرفين . وهذا قد يتراوح من المنافسة الودية بين المقامرين أو الرياضيين إلى العداء القاتل بين الدول أو الأديان أو الأيديولوجيات . وهذا النوع يهمنا بالدرجة الأولى إلى كما يهمنا بدرجة أقل ما يتفرع منها من أعمال الدعاية والتخريب .
على أن معظم أعمال المخابرات ليست سرية مطلقا . وهذا صحيح – بصفة خاصة – في المجتمعات العصرية المفتوحة إلى التي يمكن أن يشار إليها هنا – لملاءمة الواقع – بالدول الديموقراطية إلى أي الدول التي تملك – في زمن السلم – صحافة حره وحدودا مفتوحة إلى وتتبادل فيما بينها بعثات دبلوماسية وأنشطة تجارية إلى وتتبع أنماطا متشابهة في الأخلاقيات السياسية.
 
الموساد
يقع "الموساد" في مبنى عادي في شارع الملك شاؤول في تل أبيب وتطلق عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية اسم (عين داود الثاقبة)، وتم تأسيس الموساد قبل إنشاء دولة إسرائيل بنصف قرن تقريبا! إلى وجاء مواكبا للقرار الذي اتخذ في مدينة "بازل" السويسرية خلال أغسطس 1897 أثناء اجتماع المؤتمر الصهيوني الأول برئاسة ثيودور هرتزل ففي عام 1907 انشأ الحزب منظمة عسكرية من اليهود الأوروبيين تسمى (بارجيورا) ثم تأسست الوكالة اليهودية عام 1923 بقرار من المؤتمر الصهيوني الثالث عشر، وهي الوكالة التي أخذت على عاتقها تنشيط هجرة اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين بشتى الوسائل.
وفي عام 1920 تم تشكيل منظمة الهاجانا (الدفاع) العسكرية شبه القانونية وكان هدفها المعلن هو الحفاظ على موطن اليهود القومي ثم دخلت تحت وصاية الوكالة اليهودية التي تشكلت بعدها بثلاث سنوات، وشكلت الهاجانا فيما بعد قوام جهاز المخابرات الإسرائيلي الحالي "الموساد".
ومن خلال الهاجانا تكونت منظمة سرية خاصة سميت مكتب المعلومات (شيروت يهوديوت) عرفت باسم (شاي)، وفي عام 1937 أنشأت الهاجانا أيضا منظمة (موساد لي اليافي بيت) أي (مكتب الهجرة)إلى واسمها الأول (موساد) هو الاسم الذي استعاره جهاز المخابرات الإسرائيلية عام 1951 ليكون اسمه حينما ظهر لأول مرة بشكل رسمي، كما ورث أيضا شبكة جواسيسها.
ونظرا لتعدد تنظيمات التجسس الإسرائيلية رأت القيادة الصهيونية أن تنشئ جهازا خاصا لتنسيق أنشطتها سمي (شيروت إسرائيل) أو (في خدمة إسرائيل)إلى وقد تولى تأسيسه روفين شيلوح الذي رأس الموساد بعد تأسيسه رسميا.
وطبقا لإحصائية نُشرت عام 1996، يبلغ عدد العاملين في الموساد نحو 1200 إلى 1500 شخص، من بينهم 500 ضابط يعمل الواحد منهم حتى سن الثانية والخمسين، ويحال بعدها للمعاش، ويتقاضى 70 في المائة من مرتبه وقتها إلى وللموساد شبكة للعملاء تغطي أنحاء العالم تضم 35 ألف شخص (20 الفاً عاملون والباقي في حالة كمون موقت).
يتولى الموساد العديد من المهام منها: التجسس إلى الاغتيالات إلى الحصول على الأسلحة إلى التجسس المضاد إثارة الفتن إلى الخطف.. الخ.
ويتكون الموساد من عدة أقسام رئيسية لكل منها دور أو مهمة خاصة بها وتتراوح مهام هذه الأقسام بين جمع المعلومات وتصنيفها ودراسة هذه المعلومات وتقييمها، والمراقبة والتجسس، والتجنيد وتنفيذ العمليات الخارجية الخاصة من قتل وتصفية .. الخ، إضافة إلى قسم خاص بالتصوير والتزوير والشفرة وأجهزة الاتصال، فضلا عن قسم خاص بالتدريب والتخطيط ورفع كفاءة العاملين بالجهاز .كما يضم الموساد قسما لمكافحة التجسس والاختراق . ويعتبر قسم العمليات هو أكبر فروع الموساد ومهمته تنظيم نشاط وعمل الجواسيس المنتشرين حول العالم.
وهناك أيضا وحدة خارجية أخرى تسمى (عل) أي رفيعة المستوى
إلى وهي تقوم بجمع المعلومات عن كل الدول العربية من داخل الولايات المتحدة الأميركية بواسطة تعقب البعثات الديبلوماسية.

أخطر رجال المخابرات المصرية في اسرائيل


 
في صباح يوم 13 يوليو من عام 1956 نشرت صحيفة الأهرام خبرا عابرا يقول : قتل العقيد مصطفى حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم في قطاع غزة، وقد نقل جثمانه إلى العريش ومن هناك نقل جوا إلى القاهرة على الفور، ولم ينس الخبر أن يذكر أنه كان من أبطال حرب فلسطين وقاتل من أجل تحريرها .. لكنه تجاهل تماما انه كان أول رجل يزرع الرعب في قلب اسرائيل.

ومصطفى حافظ رجل مصري من مدينة الإسكندرية التي يحمل أحد ميادينها أسمه الآن، كما أن له نصبا تذكاريا في غزة تبارى الإسرائيليون في تحطيمه عندما احتلوها بعد هزيمة يونيو 1967.
كان (مصطفى حافظ) مسؤولاً عن تدريب الفدائيين وإرسالهم داخل إسرائيل كما انه كان مسؤولاً عن تجنيد العملاء لمعرفة ما يجري بين صفوف العدو ووراء خطوطه، فقد كان (مصطفى حافظ) باعتراف الإسرائيليين من أفضل العقول المصرية، وهو ما جعله يحظى بثقة الرئيس جمال عبد الناصر فمنحه أكثر من رتبة استثنائية حتى أصبح عميدا وعمره لا يزيد على 34 سنة، كما انه اصبح الرجل القوي في غزة التي كانت تابعة للإدارة المصرية بعد تقسيم فلسطين في عام 1947.
وبرغم السنوات الطويلة التي قضاها مصطفى حافظ في محاربة الإسرائيليين إلا انه لم يستطع رجل واحد في كافة أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن يلتقط له صورة من قريب أو من بعيد، لكن برغم ذلك سجل الإسرائيليون في تحقيقاتهم مع الفدائيين الذين قبضوا عليهم انه رجل لطيف يثير الاهتمام والاحترام ومخيف في مظهره وشخصيته.

وكانت هناك روايات أسطورية عن هروبه الجريء من معتقل أسرى إسرائيلي أثناء حرب 1948، وقد عين في منصبه في عام 1949 وكانت مهمته إدارة كافة عمليات التجسس داخل إسرائيل والاستخبارات المضادة داخل قطاع غزة والإشراف على السكان الفلسطينيين، وفي عام 1955 أصبح مسئولا عن كتيبة الفدائيين في مواجهة الوحدة رقم 101 التي شكلها في تلك الأيام اريل شارون للإغارة على القرى الفلسطينية والانتقام من عمليات الفدائيين ورفع معنويات السكان والجنود الإسرائيليين، وقد فشل شارون فشلا ذريعا في النيل منه ومن رجاله وهو ما جعل مسئولية التخلص منه تنتقل إلى المخابرات الإسرائيلية بكافة فروعها وتخصصاتها السرية والعسكرية.
كان هناك خمسة رجال هم عتاة المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت عليهم التخلص من مصطفى حافظ على رأسهم (ر) الذي كون شبكة التجسس في مصر المعروفة بشبكة "لافون" والتي قبض عليها في عام 1954 وكانت السبب المباشر وراء الإسراع بتكوين جهاز المخابرات العامة في مصر.

والى جانب (ر) كان هناك ضابط مخابرات إسرائيلي ثان يسمى "أبو نيسان" وأضيف لهما "أبو سليم" و"اساف" و"أهارون" وهم رغم هذه الأسماء الحركية من أكثر ضباط الموساد خبرة بالعرب وبطباعهم وعاداتهم وردود أفعالهم السياسية والنفسية.
ويعترف هؤلاء الضباط الخمسة بأنهم كانوا يعانون من توبيخ رئيس الوزراء في ذلك الوقت ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة في إسرائيل والرجل القوي في تاريخها، وكانت قيادة الأركان التي وضعت تحت سيطرة موشى ديان أشهر وزراء الدفاع في إسرائيل فيما بعد في حالة من التوتر الشديد.
وكان من السهل على حد قول ضباط المخابرات الخمسة التحدث إلى يهوه (الله باللغه العبريه) في السماء عن التحدث مع موشى ديان خاصة عندما يكون الحديث عن براعة مصطفى حافظ في تنفيذ عملياته داخل إسرائيل ورجوع رجاله سالمين إلى غزة وقد خلفوا وراءهم فزعا ورعبا ورغبة متزايدة في الهجرة منها.
وكان الحل الوحيد أمام الأجهزة الإسرائيلية هو التخلص من مصطفى حافظ مهما كان الثمن.
ووضعت الفكرة موضع التنفيذ ورصد للعملية مليون دولار، وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الزمن، فشبكة "لافون" مثلا لم تتكلف أكثر من 10 آلاف دولار، وعملية اغتيال المبعوث الدولي إلى فلسطين اللورد برنادوت في شوارع القدس لم تتكلف أكثر من 300 دولار.
كانت خطة الاغتيال هي تصفية مصطفى حافظ بعبوة ناسفة تصل إليه بصورة أو بأخرى، لقد استبعدوا طريقة إطلاق الرصاص عليه، واستبعدوا عملية كوماندوز تقليدية، فقد فشلت مثل هذه الطرق في حالات أخرى من قبل، وأصبح السؤال هو: كيف يمكن إرسال ذلك "الشيء" الذي سيقتله إليه ؟.
في البداية فكروا في إرسال طرد بريدي من غزة لكن هذه الفكرة أسقطت إذ لم يكن من المعقول أن يرسل طرد بريدي من غزة إلى غزة، كما استبعدت أيضا فكرة إرسال سلة فواكه كهدية إذ ربما ذاقها شخص آخر قبل مصطفى حافظ.
وأخيرا وبعد استبعاد عدة أفكار أخرى بقيت فكرة واحدة واضحة هي: يجب أن يكون "الشئ" المرسل مثيرا جدا للفضول ومهما جدا لمصطفى حافظ في نفس الوقت كي يجعله يتعامل معه شخصيا، شئ يدخل ويصل إليه مخترقا طوق الحماية الصارمة الذي ينسجه حول نفسه.
وبدأت الخطة تتبلور نحو التنفيذ، إرسال ذلك "الشيء" عن طريق عميل مزدوج وهو عميل موجود بالفعل ويعمل مع الطرفين، انه رجل بدوي في الخامسة والعشرين من عمره يصفه أبو نيسان بأنه نموذج للخداع والمكر، كان هذا الرجل يدعى "طلالقة". لم يكن يعرف على حد قول ضابط الموساد أن مستخدميه من الإسرائيليين.
وبعد أن استقر الأمر على إرسال (الشيء) الذي سيقتل مصطفى حافظ بواسطة (طلالقة) بدأ التفكير في مضمون هذا الشيء، واستقر الرأي على أن يكون طردا بريديا يبدو وكأنه يحتوي على (شئ مهم) وهو في الحقيقة يحتوي على عبوة ناسفة.
ولم يرسل الطرد باسم مصطفى حافظ وإنما أرسل باسم شخصية سياسية معروفة في غزة وهو بالقطع ما سيثير (طلالقة) فيأخذه على الفور إلى مصطفى حافظ الذي لن يتردد فضوله في كشف ما فيه لمعرفة علاقة هذه الشخصية بالإسرائيليين، وفي هذه اللحظة يحدث ما يخطط له الإسرائيليون وينفجر الطرد في الهدف المحدد.
وتم اختيار قائد شرطة غزة (لطفي العكاوي) ليكون الشخصية المثيرة للفضول التي سيرسل الطرد باسمها، وحتى تحبك الخطة أكثر كان على الإسرائيليين أن يسربوا إلى (طلالقة) إن (لطفي العكاوي) يعمل معهم بواسطة جهاز اتصال يعمل بالشيفرة، ولأسباب أمنية ستتغير الشيفرة، أما الشيفرة الجديدة فهي موجودة في الكتاب الموجود في الطرد المرسل إليه والذي سيحمله (طلالقة) بنفسه.
وأشرف على تجهيز الطرد (ج) عضو (الكيبوتس) في المنطقة الوسطى، وقد اكتسب شهرة كبيرة في أعداد الطرود المفخخه وكان ينتمي إلى منظمة إرهابية تسمى (أيستيل) كانت هي ومنظمة إرهابية أخرى اسمها (ليحي) تتخصصان في إرسال الطرود المفخخه إلى ضباط الجيش البريطاني أثناء احتلاله فلسطين لطردهم بعيدا عنها.

مصطفى حافظ
وأصبح الطرد جاهزا وقرار العملية مصدق عليه ولم يبق سوى التنفيذ، وتم نقل الطرد إلى القاعدة الجنوبية في بئر سبع وأصبح مسئولية رئيس القاعدة أبو نيسان الذي يقول: "طيلة اليوم عندما كنا جالسين مع (طلالقة) حاولنا إقناعه بأننا محتارون في أمره، قلنا أن لدنيا مهمة بالغة الأهمية لكننا غير واثقين ومتأكدين من قدرته على القيام بها، وهكذا شعرنا بأن الرجل مستفز تماما، عندئذ قلنا له: حسنا رغم كل شئ قررنا تكليفك بهذه المهمة، اسمع يوجد رجل مهم جدا في قطاع غزة هو عميل لنا هاهو الكارت الشخصي الخاص به وها هو نصف جنيه مصري علامة الاطمئنان إلينا والى كل من نرسله إليه والنصف الآخر معه أما العبارة التي نتعامل بها معه فهي عبارة: (أخوك يسلم عليك)!.

ويتابع ضابط المخابرات الإسرائيلي : كنا نواجه مشكلة نفسية كيف نمنع طلالقة من فتح الطرد قبل أن يصل إلى الهدف ؟ وللتغلب على هذه المشكلة أرسلنا أحد الضباط إلى بئر سبع لشراء كتاب مشابه أعطاه لـ (طلالقة) قائلا: (هذا هو كتاب الشيفرة يحق لك تفقده ومشاهدته وبعد أن شاهده أخذه منه وخرج من الغرفة وعاد وبيده الكتاب الملغوم وسلمه له لكن (طلالقة) لعب اللعبة بكل برود على الرغم من بريق عينيه عندما تساءل: ولكن كيف ستعرفون أن الكتاب وصل؟ وكانت الإجابه: ستأتينا الرياح بالنبأ.
وفهم (طلالقة) من ذلك أنه عندما يبدأ (لطفي العكاوي) بالإرسال حسب الشيفرة الجديدة سيعرف الإسرائيليون انه نفذ المهمة وعندما حل الظلام خرج أحد رجال المخابرات الإسرائيلية المسئولين عن العملية ومعه (طلالقة) وركب سيارة جيب ليوصله إلى أقرب نقطة على الحدود وهناك ودعه واختفى (طلالقة) في الظلام لكن كان هناك من يتبعه ويعرف انه يأخذ طريقه إلى غزة.

وفي رحلة عودته إلى غزة كان الشك يملأ صدر (طلالقة).. وراح يسأل نفسه : كيف يكون (العكاوي) أقرب المساعدين الى مصطفى حافظ عميلا إسرائيليا؟، وفكر في أن يذهب أولا الى (العكاوي) لتسليمه ما يحمل وبالفعل ذهب الى منزله فوجده قد تركه الى منزل جديد لا يعرف عنوانه واحتار ما الذي يفعل؟ ثم حزم أمره وتوجه الى منطقة الرمال في غزة حيث مقر مصطفى حافظ.
وحسب ما جاء في تقرير لجنة التحقيق المصرية التى تقصت وفاة مصطفى حافظ بأمر مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر فإنه في 11 يوليو عام 1956 في ساعات المساء الأخيرة جلس مصطفى حافظ على كرسي في حديقة قيادته في غزة وكان قد عاد قبل يومين فقط من القاهرة، كان يتحدث مع أحد رجاله والى جانبه الرائد فتحي محمود وعمر الهريدي وفي نفس الوقت وصل اليهم (طلالقة) الذي سبق أن نفذ ست مهام مطلوبة منه في اسرائيل.

وقابله مصطفى حافظ وراح يروى له ما عرف عن (العكاوي)، وهو ما أزعج مصطفى حافظ الذي كان يدافع كثيرا عن (العكاوي) الذي اتهم أكثر من مرة بالاتجار في الحشيش، لكن هذه المرة يملك الدليل على إدانته بما هو أصعب من الحشيش؛ التخابر مع إسرائيل.
وقرر مصطفى حافظ أن يفتح الطرد ثم يغلقه من جديد ويرسله إلى (العكاوي)، أزال الغلاف دفعة واحدة عندئذ سقطت على الأرض قصاصة ورق انحنى لالتقاطها وفي هذه الثانية وقع الانفجار ودخل الرائد فتحي محمود مع جنود الحراسة ليجدوا ثلاثة أشخاص مصابين بجروح بالغة ونقلوا فورا إلى مستشفى تل الزهرة في غزة.
 
وفي تمام الساعة الخامسة صباح اليوم التالي أستشهد مصطفى حافظ متأثرا بجراحه، وبقى الرائد عمر الهريدي معاقا بقية حياته بينما فقد (طلالقة) بصره، وأعتقل (العكاوي) لكن لم يعثروا في بيته على ما يدينه.
وبرغم مرور هذه السنين مازال يصر الإسرائيليون على أنهم لم ينفذوا مثل هذه العملية أبدا، وبقيت أسرارها مكتومة هنا وهناك إلى أن كشفها الكاتب الإسرائيلي " يوسف أرجمان" مؤخرا في كتاب يحمل أسم "ثلاثون قضية استخبارية وأمنية في إسرائيل"، والذي لا نعرف هل ما ذكره حقيقة أم خيال.

بقى أن نعرف إن الإسرائيليين عندما احتلوا غزة بعد حرب يونيو وجدوا صورة مصطفى حافظ معلقة في البيوت والمقاهي والمحلات التجارية وأنهم كان يخلعونها من أماكنها ويرمونها على الأرض ويدوسون عليها بالأقدام، وكان الفلسطينيون يجمعونها ويلفونها في أكياس كأنها كفن ويدفنونها تحت الأرض وهم يقرآون على روح صاحبها الفاتحة فهم لا يدفنون صورة وإنما يدفنون كائنا حيا.

من هو أشهر رجل مخابرات فى العالم أجمع بلا منازع ؟


كتبهاسائد العمايرة ، في 27 أيار 2012 الساعة: 19:18 م

 من هو أشهر رجل مخابرات فى العالم أجمع بلا منازع ؟



لو أنك طرحت هذا السؤال على أية شريحة من البشر ، فى أية دولة فى العالم ، لحصلت بسرعة على اول جواب يقفز إلى الأذهان ، وأول اسم يرتبط بالوجدان ، عند الحديث عن عالم المخابرات ..


أية مخابرات ..
(جيمس بوند) ..
فذلك البريطانى ، الذى يحمل رقم 007 ، مع تصريح بالقتل ، ويرتكب كل خطايا ومبوقات الدنيا ، فى سبيل خدمة التاج ، صار منذ الخمسينات وحتى الان ، أشهر جاسوس تتداول اسمه الألسن وتربح منه السينما الملايين والملايين كل عام ، وهو يواجه أصابع ذهبية ، وعيون ذهبية ، ومسدسات ذهبية ، دون جرام واحد من الفضة ..
الكل يعرفه ..
ويحفظ اسمه عن ظهر قلب ..
ولكن القليلين فقط من يعرفون اسم مبتكره (ايان فليمنج) ..
والأقل جداً .. بل والندرة ، هم من يعلمون أن (فليمنج) نفسه كان جاسوس مدهشاً ، ورجل مخابرات لا يشق له غبار ، ولا تفشل واحدة من خططه وأفكاره المبتكرة قط ..
و (أيان فليمنج) هذا ولد لأبوين بالغى الثراء ، من أبناء الطبقة الأرستقراطية الأنجليزية ، وقضى الشطر الأكبر من عمره كطالب مواظب ، انيق الملبس والأسلوب ، إلا أنه اشتهر دائما بالنشاط الزائد ، والأنخراط فى كل الأنشطة الممكنة ، من جماعات الخطابة إلى الكشافة البحرية ، كما أظهر ميلاً ملحوظاً للمغامرة والمخاطرة ، وخاصة فى فترات المعسكرات الصيفية والرحلات الخلوية ..
لكن كل هذا لم يشفع له فى النجاح أو التفوق إذا وأنه - و على رغم كل هذا النشاط - كان يعانى كسلاً بالغاً كلما تعلق الأمر بأستذكار دروسه و آداء واجباته ، حتى أنتهى به الأمر إلى الفصل من المدرسة الفخمة ، التى ألحقه بها والده ، بسبب مغامراته التى تجاوزت كل الحدود المعقولة ..
ولأن والدته كانت أنجليزية عريقة ، من طراز لا يقبل الفشل ، فقد قررت أن تلعب دور الأب والأم معاً ،بعد وفاه زوجها ، وأجبرت (آيان) على الألتحاق بإحدى الكليات العسكرية ، التى قبلته بين صفوفها ، أحتراماً لذكرى والده ، ولوساطة امه ، الذين يحتلون كلهم مكانة سياسية رفيعة ..
والتحق (فيلمنج) بالكلية العسكرية البريطانية ، إلا أن هذا كان آخر شئ يناسب طبيعته ، إذا لم يلبث أن عاد إلى عبثه ومغامراته ، وتورط فى مشكلة عاطفية مع زوجة قائد الكلية ، مما دفع هذا الأخير إلى فصله بلا رجعة ..
وهكذا استقر الحال بالشاب المغامر فى شركة السمسرة والأوراق المالية ، التى تمتلكها أسرته والتى مازالت تحمل لقبها حى أيامنا هذه ، فى بورصة الأوراق المالية فى لندن ..
كان هذا فى صيف 1939م ، عندما بلغ (فليمنج) 31 من عمره ، وحصل على منصبه الرفيع فى الشركة ..
والعجيب أن (فليمنج) قد حقق نجاحاً مدهشاً ، خلال فترة عمله القصيرة ، ووضع بعض الافكار المبتكرة ، التى ضاعفت الأرباح مرتين ، قبل أن يمل هذا العمل المكتبى ، ويقدم أستقالته إلى أمه ، التى جن جنونها ، وحاولت منعه من هذا ، واقناعه بالعودة إلى الشركة ، مواصلة خطة زيادة الارباح ، إلا انه فر من لندن كلها ، هربا من مواجهتها ، وراح يقضى بعض الوقت فى منزل تمتلكه الأسرة فى ليفربول ..
والعجيب أن قراره هذا كان مدخله إلى عالم المخابرات ، الذى قدر له أن يضع عليه بصمته ، ويحفر فيه اسمه بحروف من ذهب ..
ففى ليفربول التقى (فيلمنج) بصديق قديم لأسرته ، وهو الدميرال (جون جودفرى) ، الذى كان يشغل - فى تلك الفترة- منصب رئيس المخابرات البحرية البريطانية ، والذى لفت الشاب انتباهه بنشاطه الجم وذكائه الواضح ، وعقليته المتفتحه الإبداعية الخلاقة ..
ولأن (جودفرى) كان على ثقة - بحكم منصبه وخبراته - فى ان الحرب آتية بلا ريب ، فقد وضع (فليمنج) فى رأسه كما يقولون ، وراح يدرس تصرفاته وأسلوبه ، طوال فترة وجودهما معاً فى ليفربول ، ثم لم يلبث أن واجهه ذات صباح ، قائلاً :
- (آيان) …. هل تعلم فيم أعمل بالضبط؟!
ابتسم الشاب أبتسامة خبيثة ، وهو يجيب :
- لا اعتقد ان هذا يخفى على أحد يا أدميرال .
بدا له (جودفرى) صلباً صارماً ، جامد الوجه والملامح كعادته ، وهو قول :
- هل ترغب فى العمل معى إذن ؟!
أجاب الشاب فى سرعة :
- من يمكن أن يرفض امراً كهذا؟!
وهكذا ، وبتلك البساطة ، صار طالب الكلية العسكرية المفصول ، وسمسارة البورصة السابق ، يحمل رتبة ضابط فى البحرية ..
ولقب رجل مخابرات بريطانى ..
وما أن أندلعت الحرب العالمية الثانية ، حتى تفجرت كل المواهب الخلاقة فى اعمال (آيان فليمنج) ..
وكل الأفكار المجنونة ..
فى البداية ، خُيل للأدميرال (جودفرى) انه قد أساء الاختيار ، ووقع على أرستقراطى مخبول ، لا تتفق افكاره قط مع الواقع والعقل ..
ولكنه أنتبه فجأة ، إلى أن (فليمنج) هذا رجل مخابرات عبقرى ، وانه ما خلق لعمل إلا لهذا المضمار بالذات ..
فكل أفكار (فليمنج) كانت تصدم سامعيها فى البداية ، ثم لا تلبث أن تجد صدى فى عقولهم ، منها إلى قلوبهم ، وتقفز بعدها لتحتل مكانة لا مثيل لها ،فى عالم الأبتكار والنجاح ..
ولعل أبرز هذه الأفكار كان الإذاعة الألمانية الموجهة ..
فطوال فترة الحرب ، كان الألمان يستمعون إلى إذاعة ألمانيا ، ناطقة بالعامية ، تنقل إليهم أخبار قادتهم وجبهاتهم ، على نجو يوحى بأن فريقاً من جنرالات الجيش ، المعارضين للنازية هم من يبثها ، من مكان مجهول داخل ألمانيا ، وتهاجم الحلفاء وقادتهم ، إلى حد الذى وصفت فيه رئيس الوزراء البريطانى ( وينستون تشرشل) بأنه يهودى بدين مصاب بأمراض … ، وأشبه بالخنزير المريض ..
وربما كا هذا الوصف وما يشبهه ، هو السبب فى كل ما تصوره الألمان عن تلك الأذاعة المجهولة ، والسبب فى أرتباطهم بها بشدة ، دون أن يخطر ببال أحدهم ، حتى قادتهم أنفسهم ، أنها إذاعة بريطانية بحته ، يتم بثها من قلب لندن ، تحت أشراف (فليمنج) نفسه الذى كان يدس السم فى العسل يومياً ، ويتسلل إلى أعماق الروح المعنوية الألمانية ، لينسفها نسفاً ، من خلال قصص ملفقة عن قادة ألمان وساستهم ، وعن الجنرال المسرف ، الذى أبتاع لصديقته معطفاً من الفراء ، يكفى ثمنه لإطعام لواء كامل ، ولآخر الذى ترك المعركة على الجبهة الروسية ، لينعم بالدفء فى البلقان ، تاركاً جنوده يغرقون فى الجليد حتى آذنهم ، وأقدامهم تتجمد فى البرد .. و… و…
والطريف أن (فليمنج) قد تعرض للمساءلة بسبب وصفه للساسة البريطانيين ، والذى يبدوا بذيئاً للغاية ، عندما يلقى بالعامية الألمانية ، إلا أنه دافع عن نفسه بأنه لو لم يفعل هذا لما أستطاع جذب الألمان إلى سماع إذاعته ، أو إقناعهم بكل ما يدسه لهم من اخبار ..
وانتهى التحقيق بحصول (آيان فليمنج) على مكافأة سخية ، وإطلاق يده فى نسج المزيد والمزيد من تلك الأفكار المجنونة ..
وهذه النقطة الأخيرة بالذات كانت أكبر مكافأة حصل عليها (فليمنج) فى حياته كلها ..
ان تطلق يده فى الأفكار و الأبتكارات ..
مهما بلغ جنونها ..



مهما بلغ جنونها ..


ومن هذا المنطلق بدأ (فليمنج) عملية جديدة أطلق عليها أسم العراف ..
ولقد اعتمدت هذه العملية على دراسة شخصية ( رودلف هيس) ، نائب (ادولف هتلر) ، الذى يبدى اهتماما دائما بعلم الفلك وقراءة الطالع ، ثم الاستعانة باثنين من علماء الفلك السويسريين ، الذين تم تجنيدهم لحساب المخابرات البريطانية ، لتقديم النصائح وقراءة الطالع بصورة دائمة للنائب (هيس) ، وعلى نجو كان يعده (فليمنج) بنفسه ، بحيث أصبح (هيس) على أقتناع شديد بأن اللحظة الحاسمة قد حانت ، وبأنه لو سعى للسلام ، فيسصبح أعظم رجال القرن على الأطلاق ..
وكان هدف (آيان) هو أن يزرع بذرة الشقاق بين (هتلر) ونائبه ، بحيث يؤدى هذا إلى تفتيت الجبهة النازية ، وضعف قيادتها ، وانهيارها فى النهاية ..
لكن يبدو أن خطة الشاب كانت بارعة أكثر مما ينبغى ..
فالأمر لم يقتصر على الشقاق فحسب ،
وإنما غامر (هيس) بأن استقل طائرته بنفسه ، ليهبط فى إنجلترا ، ويدعو للسلام ، ولكن البريطانيين أسروه هناك ن وظل فى السجن كمجرم حرب ، حتى مات فى 1989م ..
وفى أواخر عام 1941م ، تم نقل (فليمنج)إلى محطة المخابرات البريطانية فى نيويورك ، كمحاولة لإقناع امريكا بدخول الحرب ..
ولأن الأمريكان لا يقدمون شيئاً بلا مقابل ، فقد طلبوا من (فلمنج) ، فى أثناء وجوده فى نيويورك ، أن يتعاون مع رجلهم ( وليليام دونوفان) ، مستشار الرئيس الأمريكى ( روزفلت) ، لوضع بذرة إنشاء وكالة استخبارات ، كانت نواة جهاز المخابرات الأمريكية المركزية الحالى ..
ولكن ( آيان فليمنج) - بكل ما يتمتع به من نشاط وحب دائم للمغامرة- لم يكن من الممكن أبداً أن يكتفى بهذا الدور البسيط فى عالم المخابرات ، من وجهه نظره ، لذا فقد نجح فى التسلل إلى العالم السفلى لفتح خزانة معدنية خفية ، فى مكتب القنصل العام اليابانى ، ليقوم بتصوير كل أوراق رموز الشفرة السرية داخلها ..
ولقد كانت مفاجأة مذهلة للبريطانيين ، أن تصلهم هذه الشفرة ، التى بذلوا جهداً خرافياً فى السابق للحصول عليها ، دون ان يطلبوا من (فليمنج) هذا ..
و دون ان يعاونه أى من رجالهم ..
وكالمعتاد ، تم التحقيق مع ( فليمنج) ، لأستعانته بمجرمى ولصوص الشوارع ، وتعرض للوم والتقريع كالمعتاد ، ولكنه دافع عن نفسه بان هؤلاء القوم لا يشغلون بالهم بالسياسة وتعقيداتها ، ثم إنهم تصوروا طوال الوقت أنهم جزء من عملية تجسس صناعية ، وليست سياسية ..
وكان من العسير أن يعاقب (فليمنج) بعد عملية ناجحة كهذا ، لذا فقد أكتفى رؤساؤه بتوجيه اللوم إليه ، وإعاته إلى لندن ليواصل عمله و أفكاره المجنونة هناك ..
وفور عودته إلى الوطن أغلق (فليمنج) على نفسه باب مكتبه ، وراح يعد أكبر فكرة مجنونة فى حياته ..
وبعد أسبوع كامل من الدراسة والتفكير ، خرج (فليمنج) لرؤسائه بفكرة إنشاء الوحدة رقم (30) ..
وهذه الوحدة هى فرقة خاصة من الكوماندوز تتبع المخابرات البحرية مباشرة ، ويتم تدريبها على نحو خاص للغاية ، بحيث يمكنها القيام بعمليات مستحيلة ، خلف خطوط العدو ..
وفى ذلك الحين ، كانت الفكرة عجيبة بالفعل ..
ومجنونة إلى أقصى حد ..
ولكنها ، وككل أفكار (فليمنج) ، وجدت صدى خاصاً فى نفوس الجميع ، وخاصة مع دراسة مدى الفائدة الجمة ، التى يمكن أن تعود من إنشاء وحدة كهذا ..
وأخيراً صدر القرار ..
وولدت الوحدة الهجومية رقم (30) ..
وطوال ما تبقى من زمن الحرب ، قامت الوحدة رقم (30) بعمليات أنتحارية مدهشة ، لا يصدقها عقل ، خلف خطوط العدو ..
والذات فى الجبهة الفرنسية ..
ولعل أهم وأخطر عملياتها ، التى تمت تحت قيادة (آيان فليمنج) مباشرة ، كانت عمليات " محطة الرادار" ، و " الأرشيف البحرى" ..
ففى عام 1944 م ، قاد (فليمنج) وحدته القتالية ، وهبط معها خلف خطوط العدو ، حيث قامت الوحدة بالسيطرة على محطة رادار ألمانيا كبيرة ، ظلت ترصد الطائرات البريطانية ، وتحبط هجومها لفترة طويلة ، وتم الاستيلاء عليها لفترة طويلة ، وتم الاستيلاء عليها بالكامل ، وأسر حاميتها المكونة من أربعين ضابط وثلاثمائة جندى ، ونقلت معداتها كلها إلى لندن ، حيث تمت دراستها وإعادة تركيبها ..
وقبل أن يلتقط رؤساؤه انفاسهم ، من انبهارهم بتلك العملية المدهشة ، التى خسرت الوحدة رقم (30) خلالها فرداً واحداً فاجأهم ( فليمنج) بعملية "الأرسيف البحرى" التى كادت أن تذهب بعقول الألمان ، والتى أثارت جنون ( أدولف هتلر) نفسه ..
فمع معانتهم من دقة وبراعة المخابرات البحرية الألمانية ، كان البريطانيون يبذلون جهداً مضنياً لكشف الجواسيس الألمان ، ودراسة أساليب تفكيرهم ، ومحاولة تحليل خططهم ونظمهم ، والعمل على تجنيد بعضهم ، لنقل ما يمكن نقله من وثائقهم سوجلاتهم السرية إلى البريطانيين ..
ولأن (فليمنج) قد أعتاد على التفكير باسلوب مبتكر ، مختلف ، خلاق ، فقد طرح سؤالاً بدا بالغ الغرابة ، فى أول أجتماع عام :
- لماذا لا تقوم الوحدة (30) بعملية أنتحارية ، للاستيلاء على قسم الأرشيف البحرى الأمانى بالكامل ، وعلى سجلاته التى تعود إلى عام 1870م ؟!
ومع غرابة الفكرة وجنونها ، احتاج الأمر إلى أسبوعينكاملين ، من البحث والفحص ، والمناقشة ، و المراجعة قبل أن يوافق الرؤساء على الخطة ، ويصدر الأمر بتنفيذها بعد أن قرر الخبراء أن الخسائر ستبلغ أربيعن فى المائة على الأقل من وحدة الهجوم ..
وعندما أجتمع ( فليمنج) بوحدته ، أبلغهم أن الخسائر ستبلغ سبعين فى المائة ، ثم طلب منهم قبول أو رفض المهمة ، ووعدهم بعدم سؤالهم عن الأسباب ..
ووافق الجميع فوراً ..
وبلا استثناء..
وبعقليته الخلاقة ، راح (فليمنج) يضع خطة الاستيلاء على الأرشيف ، ووضع رسماً لتوربين بحرى خاص ، تتم قيادته كالدراجة البخارية تحت الماء ن بحيث يمكن لرجاله بواستطه قطع مسافات طويلة تحت سطح البحر ، دون أن يمكن رصدهم ..
وفى لندن ، جلس ( جودفرى) وفريق قادة المخابرات يحسبون أنفاسهم عندما انطلق (فليمنج) ورجاله لتنفيذ العملية ..
وراح الوقت يمضى ، ويمضى ، دون أن تصل رسالة واحدة ، تشير إلى نجاح أو فشل العملية ..
وأخيراً .. وفى الخامسة وسبع دقائق صباحاً وصلت رسالة (فليمنج) ..
رسالة مختصرة للغاية .. " نجاح تام … الخسائر تساوى صفر.."
وكان الخبر مذهلاً ، حتى إن الرجال لم يمكنهم تصديقه ، حتى عادت الوحدة (30) إلى لندن بنفسها ..
لقد نجح (فليمنج) ورجاله نجاحاً مذهلاً واستولواعلى كل سجلات البحرية الألمانية ، دون أن يخسروا رجلاً واحداً .. بل ، و دون أصابة واحدة
وكان هذا أغرب من ان يحدث ، حتى فى الرويات الخيالية ..
او ربما كان فعلاً قدرياً مقصوداً لتتويج أعمال (فليمنج) ، لأنها كانت آخر عملية له ، قبل أن تستسلم ألمانيا ، وتضع الحر أوزارها ..
ومع نهاية الحرب ، عاد (آيان فليمنج) يشعر بملل مرة أخرى ، على الرغم من أنه ظل يطرح أفكاره المبتكرة ، ويقوم بأعماله الخلاقة ، فى كل مكان تبلغه المخابرات البريطانية ، من شمال افريقيا وحتى غرب اسبانيا ..
ولكن لكل شئ نهاية ..
لقد استغنت المخابرات عن خدماته أخيراً ، ومنحته وساماً ، ومكافأة كبيرة ، مع خطاب شكر يشير إلى ما قدمه للوطن فى زمن الحرب ..
وهكذا ، عاد (آيان فليمنج) إلى شركة أسرته ليمارس اعمال السمسرة ، ويضاعف من أرباحها ..
إلا ان هذا ظل بالنسبة إليه سخيفاً مملاً مضجراًإلى أقصى حد ..
لذا ، فقد راح ( فليمنج) يشغل نفسه بكتابة روايات عن الجاسوسية ، بطولة عميل سرى خاص ، منحه اسم ( جيمس بوند) وراح يغزل حوله الأساطير ، التى اقتبسها من خبراته السابقة ، ومن تاريخ حياة يعض الرجال الذين عرفهم فى حياته ، ومن خلال عمله ..
وحتى فى هذا ، فاق (آيان فليمنج) الجميع ، وصارت الشخصية التى أبتكرها هى أشهر الشخصيات عالم الرويات والخيال ، من أقصى العالم إلى أقصاه ، وترجمت أعماله إلى 16 لغة خلال عشرة أعوام فحسب ..
وفى عام 1964م ، وقبل أن يبلغ السادسة والخمسين من العمر ، مات (آيان فليمنج) ميته هادئة فى فراشه ، تاركاً خلفه تاريخاً مجيداً ، لا يعلم عنه العامة سوى ذلك الجزء المفرط فى الخيال فحسب ، والذى استحق بسببه أن يحظى بلقب ، استحق كل حرف منه عن جدراة ..
لقب صانع الجواسيس ..