كتبهاسائد العمايرة ، في 27 أيار 2012 الساعة: 19:18 م
من هو أشهر رجل مخابرات فى العالم أجمع بلا منازع ؟
لو أنك طرحت هذا السؤال
على أية شريحة من البشر ، فى أية دولة فى العالم ، لحصلت بسرعة على اول
جواب يقفز إلى الأذهان ، وأول اسم يرتبط بالوجدان ، عند الحديث عن عالم
المخابرات ..
أية مخابرات ..
(جيمس بوند) ..
فذلك
البريطانى ، الذى يحمل رقم 007 ، مع تصريح بالقتل ، ويرتكب كل خطايا
ومبوقات الدنيا ، فى سبيل خدمة التاج ، صار منذ الخمسينات وحتى الان ، أشهر
جاسوس تتداول اسمه الألسن وتربح منه السينما الملايين والملايين كل عام ،
وهو يواجه أصابع ذهبية ، وعيون ذهبية ، ومسدسات ذهبية ، دون جرام واحد من
الفضة ..
الكل يعرفه ..
ويحفظ اسمه عن ظهر قلب ..
ولكن القليلين فقط من يعرفون اسم مبتكره (ايان فليمنج) ..
والأقل
جداً .. بل والندرة ، هم من يعلمون أن (فليمنج) نفسه كان جاسوس مدهشاً ،
ورجل مخابرات لا يشق له غبار ، ولا تفشل واحدة من خططه وأفكاره المبتكرة قط
..
و
(أيان فليمنج) هذا ولد لأبوين بالغى الثراء ، من أبناء الطبقة
الأرستقراطية الأنجليزية ، وقضى الشطر الأكبر من عمره كطالب مواظب ، انيق
الملبس والأسلوب ، إلا أنه اشتهر دائما بالنشاط الزائد ، والأنخراط فى كل
الأنشطة الممكنة ، من جماعات الخطابة إلى الكشافة البحرية ، كما أظهر ميلاً
ملحوظاً للمغامرة والمخاطرة ، وخاصة فى فترات المعسكرات الصيفية والرحلات
الخلوية ..
لكن
كل هذا لم يشفع له فى النجاح أو التفوق إذا وأنه - و على رغم كل هذا
النشاط - كان يعانى كسلاً بالغاً كلما تعلق الأمر بأستذكار دروسه و آداء
واجباته ، حتى أنتهى به الأمر إلى الفصل من المدرسة الفخمة ، التى ألحقه
بها والده ، بسبب مغامراته التى تجاوزت كل الحدود المعقولة ..
ولأن
والدته كانت أنجليزية عريقة ، من طراز لا يقبل الفشل ، فقد قررت أن تلعب
دور الأب والأم معاً ،بعد وفاه زوجها ، وأجبرت (آيان) على الألتحاق بإحدى
الكليات العسكرية ، التى قبلته بين صفوفها ، أحتراماً لذكرى والده ،
ولوساطة امه ، الذين يحتلون كلهم مكانة سياسية رفيعة ..
والتحق
(فيلمنج) بالكلية العسكرية البريطانية ، إلا أن هذا كان آخر شئ يناسب
طبيعته ، إذا لم يلبث أن عاد إلى عبثه ومغامراته ، وتورط فى مشكلة عاطفية
مع زوجة قائد الكلية ، مما دفع هذا الأخير إلى فصله بلا رجعة ..
وهكذا
استقر الحال بالشاب المغامر فى شركة السمسرة والأوراق المالية ، التى
تمتلكها أسرته والتى مازالت تحمل لقبها حى أيامنا هذه ، فى بورصة الأوراق
المالية فى لندن ..
كان هذا فى صيف 1939م ، عندما بلغ (فليمنج) 31 من عمره ، وحصل على منصبه الرفيع فى الشركة ..
والعجيب
أن (فليمنج) قد حقق نجاحاً مدهشاً ، خلال فترة عمله القصيرة ، ووضع بعض
الافكار المبتكرة ، التى ضاعفت الأرباح مرتين ، قبل أن يمل هذا العمل
المكتبى ، ويقدم أستقالته إلى أمه ، التى جن جنونها ، وحاولت منعه من هذا ،
واقناعه بالعودة إلى الشركة ، مواصلة خطة زيادة الارباح ، إلا انه فر من
لندن كلها ، هربا من مواجهتها ، وراح يقضى بعض الوقت فى منزل تمتلكه الأسرة
فى ليفربول ..
والعجيب أن قراره هذا كان مدخله إلى عالم المخابرات ، الذى قدر له أن يضع عليه بصمته ، ويحفر فيه اسمه بحروف من ذهب ..
ففى
ليفربول التقى (فيلمنج) بصديق قديم لأسرته ، وهو الدميرال (جون جودفرى) ،
الذى كان يشغل - فى تلك الفترة- منصب رئيس المخابرات البحرية البريطانية ،
والذى لفت الشاب انتباهه بنشاطه الجم وذكائه الواضح ، وعقليته المتفتحه
الإبداعية الخلاقة ..
ولأن
(جودفرى) كان على ثقة - بحكم منصبه وخبراته - فى ان الحرب آتية بلا ريب ،
فقد وضع (فليمنج) فى رأسه كما يقولون ، وراح يدرس تصرفاته وأسلوبه ، طوال
فترة وجودهما معاً فى ليفربول ، ثم لم يلبث أن واجهه ذات صباح ، قائلاً :
- (آيان) …. هل تعلم فيم أعمل بالضبط؟!
ابتسم الشاب أبتسامة خبيثة ، وهو يجيب :
- لا اعتقد ان هذا يخفى على أحد يا أدميرال .
بدا له (جودفرى) صلباً صارماً ، جامد الوجه والملامح كعادته ، وهو قول :
- هل ترغب فى العمل معى إذن ؟!
أجاب الشاب فى سرعة :
- من يمكن أن يرفض امراً كهذا؟!
وهكذا ، وبتلك البساطة ، صار طالب الكلية العسكرية المفصول ، وسمسارة البورصة السابق ، يحمل رتبة ضابط فى البحرية ..
ولقب رجل مخابرات بريطانى ..
وما أن أندلعت الحرب العالمية الثانية ، حتى تفجرت كل المواهب الخلاقة فى اعمال (آيان فليمنج) ..
وكل الأفكار المجنونة ..
فى البداية ، خُيل للأدميرال (جودفرى) انه قد أساء الاختيار ، ووقع على أرستقراطى مخبول ، لا تتفق افكاره قط مع الواقع والعقل ..
ولكنه أنتبه فجأة ، إلى أن (فليمنج) هذا رجل مخابرات عبقرى ، وانه ما خلق لعمل إلا لهذا المضمار بالذات ..
فكل
أفكار (فليمنج) كانت تصدم سامعيها فى البداية ، ثم لا تلبث أن تجد صدى فى
عقولهم ، منها إلى قلوبهم ، وتقفز بعدها لتحتل مكانة لا مثيل لها ،فى عالم
الأبتكار والنجاح ..
ولعل أبرز هذه الأفكار كان الإذاعة الألمانية الموجهة ..
فطوال
فترة الحرب ، كان الألمان يستمعون إلى إذاعة ألمانيا ، ناطقة بالعامية ،
تنقل إليهم أخبار قادتهم وجبهاتهم ، على نجو يوحى بأن فريقاً من جنرالات
الجيش ، المعارضين للنازية هم من يبثها ، من مكان مجهول داخل ألمانيا ،
وتهاجم الحلفاء وقادتهم ، إلى حد الذى وصفت فيه رئيس الوزراء البريطانى (
وينستون تشرشل) بأنه يهودى بدين مصاب بأمراض … ، وأشبه بالخنزير المريض ..
وربما
كا هذا الوصف وما يشبهه ، هو السبب فى كل ما تصوره الألمان عن تلك الأذاعة
المجهولة ، والسبب فى أرتباطهم بها بشدة ، دون أن يخطر ببال أحدهم ، حتى
قادتهم أنفسهم ، أنها إذاعة بريطانية بحته ، يتم بثها من قلب لندن ، تحت
أشراف (فليمنج) نفسه الذى كان يدس السم فى العسل يومياً ، ويتسلل إلى أعماق
الروح المعنوية الألمانية ، لينسفها نسفاً ، من خلال قصص ملفقة عن قادة
ألمان وساستهم ، وعن الجنرال المسرف ، الذى أبتاع لصديقته معطفاً من الفراء
، يكفى ثمنه لإطعام لواء كامل ، ولآخر الذى ترك المعركة على الجبهة
الروسية ، لينعم بالدفء فى البلقان ، تاركاً جنوده يغرقون فى الجليد حتى
آذنهم ، وأقدامهم تتجمد فى البرد .. و… و…
والطريف
أن (فليمنج) قد تعرض للمساءلة بسبب وصفه للساسة البريطانيين ، والذى يبدوا
بذيئاً للغاية ، عندما يلقى بالعامية الألمانية ، إلا أنه دافع عن نفسه
بأنه لو لم يفعل هذا لما أستطاع جذب الألمان إلى سماع إذاعته ، أو إقناعهم
بكل ما يدسه لهم من اخبار ..
وانتهى التحقيق بحصول (آيان فليمنج) على مكافأة سخية ، وإطلاق يده فى نسج المزيد والمزيد من تلك الأفكار المجنونة ..
وهذه النقطة الأخيرة بالذات كانت أكبر مكافأة حصل عليها (فليمنج) فى حياته كلها ..
ان تطلق يده فى الأفكار و الأبتكارات ..
مهما بلغ جنونها ..
مهما بلغ جنونها ..
ومن هذا المنطلق بدأ (فليمنج) عملية جديدة أطلق عليها أسم العراف ..
ولقد
اعتمدت هذه العملية على دراسة شخصية ( رودلف هيس) ، نائب (ادولف هتلر) ،
الذى يبدى اهتماما دائما بعلم الفلك وقراءة الطالع ، ثم الاستعانة باثنين
من علماء الفلك السويسريين ، الذين تم تجنيدهم لحساب المخابرات البريطانية ،
لتقديم النصائح وقراءة الطالع بصورة دائمة للنائب (هيس) ، وعلى نجو كان
يعده (فليمنج) بنفسه ، بحيث أصبح (هيس) على أقتناع شديد بأن اللحظة الحاسمة
قد حانت ، وبأنه لو سعى للسلام ، فيسصبح أعظم رجال القرن على الأطلاق ..
وكان
هدف (آيان) هو أن يزرع بذرة الشقاق بين (هتلر) ونائبه ، بحيث يؤدى هذا إلى
تفتيت الجبهة النازية ، وضعف قيادتها ، وانهيارها فى النهاية ..
لكن يبدو أن خطة الشاب كانت بارعة أكثر مما ينبغى ..
فالأمر لم يقتصر على الشقاق فحسب ،
وإنما
غامر (هيس) بأن استقل طائرته بنفسه ، ليهبط فى إنجلترا ، ويدعو للسلام ،
ولكن البريطانيين أسروه هناك ن وظل فى السجن كمجرم حرب ، حتى مات فى 1989م
..
وفى أواخر عام 1941م ، تم نقل (فليمنج)إلى محطة المخابرات البريطانية فى نيويورك ، كمحاولة لإقناع امريكا بدخول الحرب ..
ولأن
الأمريكان لا يقدمون شيئاً بلا مقابل ، فقد طلبوا من (فلمنج) ، فى أثناء
وجوده فى نيويورك ، أن يتعاون مع رجلهم ( وليليام دونوفان) ، مستشار الرئيس
الأمريكى ( روزفلت) ، لوضع بذرة إنشاء وكالة استخبارات ، كانت نواة جهاز
المخابرات الأمريكية المركزية الحالى ..
ولكن
( آيان فليمنج) - بكل ما يتمتع به من نشاط وحب دائم للمغامرة- لم يكن من
الممكن أبداً أن يكتفى بهذا الدور البسيط فى عالم المخابرات ، من وجهه نظره
، لذا فقد نجح فى التسلل إلى العالم السفلى لفتح خزانة معدنية خفية ، فى
مكتب القنصل العام اليابانى ، ليقوم بتصوير كل أوراق رموز الشفرة السرية
داخلها ..
ولقد
كانت مفاجأة مذهلة للبريطانيين ، أن تصلهم هذه الشفرة ، التى بذلوا جهداً
خرافياً فى السابق للحصول عليها ، دون ان يطلبوا من (فليمنج) هذا ..
و دون ان يعاونه أى من رجالهم ..
وكالمعتاد
، تم التحقيق مع ( فليمنج) ، لأستعانته بمجرمى ولصوص الشوارع ، وتعرض للوم
والتقريع كالمعتاد ، ولكنه دافع عن نفسه بان هؤلاء القوم لا يشغلون بالهم
بالسياسة وتعقيداتها ، ثم إنهم تصوروا طوال الوقت أنهم جزء من عملية تجسس
صناعية ، وليست سياسية ..
وكان
من العسير أن يعاقب (فليمنج) بعد عملية ناجحة كهذا ، لذا فقد أكتفى رؤساؤه
بتوجيه اللوم إليه ، وإعاته إلى لندن ليواصل عمله و أفكاره المجنونة هناك
..
وفور عودته إلى الوطن أغلق (فليمنج) على نفسه باب مكتبه ، وراح يعد أكبر فكرة مجنونة فى حياته ..
وبعد أسبوع كامل من الدراسة والتفكير ، خرج (فليمنج) لرؤسائه بفكرة إنشاء الوحدة رقم (30) ..
وهذه
الوحدة هى فرقة خاصة من الكوماندوز تتبع المخابرات البحرية مباشرة ، ويتم
تدريبها على نحو خاص للغاية ، بحيث يمكنها القيام بعمليات مستحيلة ، خلف
خطوط العدو ..
وفى ذلك الحين ، كانت الفكرة عجيبة بالفعل ..
ومجنونة إلى أقصى حد ..
ولكنها
، وككل أفكار (فليمنج) ، وجدت صدى خاصاً فى نفوس الجميع ، وخاصة مع دراسة
مدى الفائدة الجمة ، التى يمكن أن تعود من إنشاء وحدة كهذا ..
وأخيراً صدر القرار ..
وولدت الوحدة الهجومية رقم (30) ..
وطوال ما تبقى من زمن الحرب ، قامت الوحدة رقم (30) بعمليات أنتحارية مدهشة ، لا يصدقها عقل ، خلف خطوط العدو ..
والذات فى الجبهة الفرنسية ..
ولعل أهم وأخطر عملياتها ، التى تمت تحت قيادة (آيان فليمنج) مباشرة ، كانت عمليات " محطة الرادار" ، و " الأرشيف البحرى" ..
ففى عام 1944 م
، قاد (فليمنج) وحدته القتالية ، وهبط معها خلف خطوط العدو ، حيث قامت
الوحدة بالسيطرة على محطة رادار ألمانيا كبيرة ، ظلت ترصد الطائرات
البريطانية ، وتحبط هجومها لفترة طويلة ، وتم الاستيلاء عليها لفترة طويلة ،
وتم الاستيلاء عليها بالكامل ، وأسر حاميتها المكونة من أربعين ضابط
وثلاثمائة جندى ، ونقلت معداتها كلها إلى لندن ، حيث تمت دراستها وإعادة
تركيبها ..
وقبل
أن يلتقط رؤساؤه انفاسهم ، من انبهارهم بتلك العملية المدهشة ، التى خسرت
الوحدة رقم (30) خلالها فرداً واحداً فاجأهم ( فليمنج) بعملية "الأرسيف
البحرى" التى كادت أن تذهب بعقول الألمان ، والتى أثارت جنون ( أدولف هتلر)
نفسه ..
فمع
معانتهم من دقة وبراعة المخابرات البحرية الألمانية ، كان البريطانيون
يبذلون جهداً مضنياً لكشف الجواسيس الألمان ، ودراسة أساليب تفكيرهم ،
ومحاولة تحليل خططهم ونظمهم ، والعمل على تجنيد بعضهم ، لنقل ما يمكن نقله
من وثائقهم سوجلاتهم السرية إلى البريطانيين ..
ولأن (فليمنج) قد أعتاد على التفكير باسلوب مبتكر ، مختلف ، خلاق ، فقد طرح سؤالاً بدا بالغ الغرابة ، فى أول أجتماع عام :
-
لماذا لا تقوم الوحدة (30) بعملية أنتحارية ، للاستيلاء على قسم الأرشيف
البحرى الأمانى بالكامل ، وعلى سجلاته التى تعود إلى عام 1870م ؟!
ومع
غرابة الفكرة وجنونها ، احتاج الأمر إلى أسبوعينكاملين ، من البحث والفحص ،
والمناقشة ، و المراجعة قبل أن يوافق الرؤساء على الخطة ، ويصدر الأمر
بتنفيذها بعد أن قرر الخبراء أن الخسائر ستبلغ أربيعن فى المائة على الأقل
من وحدة الهجوم ..
وعندما
أجتمع ( فليمنج) بوحدته ، أبلغهم أن الخسائر ستبلغ سبعين فى المائة ، ثم
طلب منهم قبول أو رفض المهمة ، ووعدهم بعدم سؤالهم عن الأسباب ..
ووافق الجميع فوراً ..
وبلا استثناء..
وبعقليته
الخلاقة ، راح (فليمنج) يضع خطة الاستيلاء على الأرشيف ، ووضع رسماً
لتوربين بحرى خاص ، تتم قيادته كالدراجة البخارية تحت الماء ن بحيث يمكن
لرجاله بواستطه قطع مسافات طويلة تحت سطح البحر ، دون أن يمكن رصدهم ..
وفى لندن ، جلس ( جودفرى) وفريق قادة المخابرات يحسبون أنفاسهم عندما انطلق (فليمنج) ورجاله لتنفيذ العملية ..
وراح الوقت يمضى ، ويمضى ، دون أن تصل رسالة واحدة ، تشير إلى نجاح أو فشل العملية ..
وأخيراً .. وفى الخامسة وسبع دقائق صباحاً وصلت رسالة (فليمنج) ..
رسالة مختصرة للغاية .. " نجاح تام … الخسائر تساوى صفر.."
وكان الخبر مذهلاً ، حتى إن الرجال لم يمكنهم تصديقه ، حتى عادت الوحدة (30) إلى لندن بنفسها ..
لقد
نجح (فليمنج) ورجاله نجاحاً مذهلاً واستولواعلى كل سجلات البحرية
الألمانية ، دون أن يخسروا رجلاً واحداً .. بل ، و دون أصابة واحدة
وكان هذا أغرب من ان يحدث ، حتى فى الرويات الخيالية ..
او ربما كان فعلاً قدرياً مقصوداً لتتويج أعمال (فليمنج) ، لأنها كانت آخر عملية له ، قبل أن تستسلم ألمانيا ، وتضع الحر أوزارها ..
ومع
نهاية الحرب ، عاد (آيان فليمنج) يشعر بملل مرة أخرى ، على الرغم من أنه
ظل يطرح أفكاره المبتكرة ، ويقوم بأعماله الخلاقة ، فى كل مكان تبلغه
المخابرات البريطانية ، من شمال افريقيا وحتى غرب اسبانيا ..
ولكن لكل شئ نهاية ..
لقد استغنت المخابرات عن خدماته أخيراً ، ومنحته وساماً ، ومكافأة كبيرة ، مع خطاب شكر يشير إلى ما قدمه للوطن فى زمن الحرب ..
وهكذا ، عاد (آيان فليمنج) إلى شركة أسرته ليمارس اعمال السمسرة ، ويضاعف من أرباحها ..
إلا ان هذا ظل بالنسبة إليه سخيفاً مملاً مضجراًإلى أقصى حد ..
لذا
، فقد راح ( فليمنج) يشغل نفسه بكتابة روايات عن الجاسوسية ، بطولة عميل
سرى خاص ، منحه اسم ( جيمس بوند) وراح يغزل حوله الأساطير ، التى اقتبسها
من خبراته السابقة ، ومن تاريخ حياة يعض الرجال الذين عرفهم فى حياته ، ومن
خلال عمله ..
وحتى
فى هذا ، فاق (آيان فليمنج) الجميع ، وصارت الشخصية التى أبتكرها هى أشهر
الشخصيات عالم الرويات والخيال ، من أقصى العالم إلى أقصاه ، وترجمت أعماله
إلى 16 لغة خلال عشرة أعوام فحسب ..
وفى
عام 1964م ، وقبل أن يبلغ السادسة والخمسين من العمر ، مات (آيان فليمنج)
ميته هادئة فى فراشه ، تاركاً خلفه تاريخاً مجيداً ، لا يعلم عنه العامة
سوى ذلك الجزء المفرط فى الخيال فحسب ، والذى استحق بسببه أن يحظى بلقب ،
استحق كل حرف منه عن جدراة ..
لقب صانع الجواسيس ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق