بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تنساق كثير من الفتيات وراء أهوائهن، ليتملصن من الالتزام بالمظهر الإسلامي، ويتذرعن بحجج واهية، لا يقرها شرع اللَّه تعالى، وليس لصاحبتها إلا غضب اللَّه وعذابه. إن الفتاة المؤمنة تقبل على أمر ربها، إقبال من لا تجد حرجاً في نفسها، مما قضى اللّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتسلّم تسليماً.
ومن هذه الحجج:
الحجة الأولى:
من تدّعي أن طهارة القلب، وسلامة النية يغنيان عن الحجاب.
أما الرد عليها فهو:
إن قولهم هذا فاسد يناقض بعضه بعضاً؛ لأن القلب إذا صلح والباطن إذا طهر والروح إذا زكت، لا محالة يكون السلوك وفق ما أمر اللَّه تعالى بشأنه، ولا محالة أن تخضع جوارحه للاستسلام، وتنقاد أعضاؤه لامتثال أوامر اللَّه واجتناب نواهيه، ولا يجتمع صفاء الباطن وطهارة القلب مع الإصرار على المعصية صغيرةً كانت أو كبيرة.
فمن قال إني أصلحتُ قلبي، وطهرت روحي، وصفّيت باطني، ومع ذلك يخالف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كاذبٌ في قوله، تسلّط عليه الشيطان في شؤونه؛ لأن هذين الأمرين لا يجتمعان
فكيف أيتها المتبرجة! تدّعين أن إيمانك يكفي لرضا اللَّه بينما ترفضين الانقياد للَّه الذي أمرك بعدم التبرج. قال جل شأنه
: ﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ [الأحزاب/33].
الحجة الثانية:
من تدّعي أن الصوم والصلاة يغنيان عن الحجاب.
أما الرد عليها فهو:
إن الصلاة تهذب الخلق، وتستر العورة، وتنهى صاحبها عن كل منكر وزور، فيستحي أن يراه اللَّه في موضعٍ نهاه عنه، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاءٍ ومنكر أكبر من خروج المرأة كاسية عارية مميلة مائلة ضالة مضِلّة؟ ولو كان الحجاب مظهراً أجوف؛ لما توعّد اللَّه المتبرجات بالحرمان من الجنة، وعدم شم ريحها.
إن الحجاب هو الذي يميز بين العفيفة الطائعة، والمتبرجة الفاسقة، ولو كان مظهراً أجوف؛ لما استحق كل هذا العقاب لتاركته، بل والأحاديث والآيات القرآنية الحافلة بذكره، بل ولما ترتب على تركه فسق الشباب وتركهم للجهاد، وكيف يلتفت الشاب المسلم إلى واجبه المقدس وهو تائه الفكر، منشغل الضمير، مشتت الوجدان أقصى ما يطمح إليه نظرة من هذه، أو بسمة من تلك؟! وإن حال التي تستجيب لبعض أوامر اللَّه، وتترك بعضها هي من ذمهم اللَّه تعالى بقوله: ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون﴾ [البقرة].
الحجة الثالثة:من تدّعي أن حبها للَّه ولرسوله كفيلان برضا اللَّه عنها بدون عمل.
أما الرد عليها فهو:
قال تعالى:﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ [آل عمران].
لو انتسبت إلى معهد أو مدرسة، أليس المطلوب منك أن تحضري الدروس، وتداومي وتعملي كل ما تأمرك به إدارة ذلك المعهد أو تلك المدرسة، فإذا عصيت أمر الإدارة، ولم تسمعي لها قولاً، وخالفت قوانين وأنظمة المدرسة أو المعهد، فهل تبقين منتسبةً إليه أو تفصلين منه. لا شك أنك تفصل، ولا ينفعك هذا الانتساب شيئاً. فكيف تدعين حب اللَّه ورسوله، وتنتسبين إلى الإسلام في البطاقات الشخصية، وشهادات الميلاد، وسائر الأوراق الرسمية، وتأبَين إلا الابتعاد عن شرع اللَّه، ثم ادعاء محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فأي سفاهة أبلغ من ذلك؟!
الحجة الرابعة: من تدّعي أن الحجاب تزمّت وتحتج بأن الدين يسر.
أما الرد عليها فهو:
إن تعاليم الدين الإسلامي، وتكاليفه الشرعية جميعها يسر، لا عسر فيها، وكلها في متناول يد المسلم المكلف بها، وفي استطاعته تنفيذها، إلا من كان من أصحاب الأعذار، فإن اللَّه عز وجل قد جعل لهم أمراً خاصاً. يقول تعالى: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ [البقرة/185].
وإن يسر الدين لا يعني إلغاء أوامره، وإلا فما الفائدة من فرضيتها؟ وإنما تخفف لدى الضرورة فقط وبالكيفية التي رخّص لنا بها اللَّه ورسوله، فمثلاً يجب على المصلي أن يصلي قائماً، ولكن إن لم يستطع القيام فليصلّ قاعداً، فإن لم يستطع فبالكيفية التي يقدر عليها، كما أن الصائم يرخّص له الإفطار في رمضان إن كان مسافراً، أو مريضاً، ولكن لا بد من القضاء، أو الفدية في بعض الحالات، أو الفدية والقضاء في حالات أخرى، وكل ذلك من يسر الإسلام وسماحته، أما أن نترك الصلاة، أو الصوم، أو غيرهما من التكاليف الشرعية جملةً واحدة ونقول: إن الدين يسر، وما جعل اللَّه علينا في الدين من حرج، فإن ذلك لا يجوز، ومثل ذلك الحجاب؛ فإن تركه لا يجوز، علماً بأن له رخصة كغيره من أوامر الشرع وهي أن اللَّه تعالى وضع الجلباب عن القواعد من النساء، وحتى في هذه الحالة اشترط عليهن عدم التبرج.
وقد جهلت هذه أن اللَّه أمر به على الوجوب، وأن الأحاديث النبوية فرضته، ومعلوم أن الأحاديث والآيات القرآنية حافلة بذمه واعتباره من الذنوب الموجبة لدخول النار، فهل بعد ذلك كله تجادل النساء في وجوبه وفرضيته؟!
الحجة الخامسة:من تدّعي أن التبرج أمر عادي لا يلفت النظر.
أما الرد عليها فهو:
كيف يكون التبرج أمراً عادياً ونحن نرى أن الأزواج (على سبيل المثال) تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزيّنّ وتجمّلن، كما تزداد الشهوة على الطعام كلما كان منسقاً، متنوعاً، جميلاً في ترتيبه، حتى ولو لم يكن لذيذ الطعم؟
ولو كان التزيين أمراً عادياً لما تنافس الناس في تزيين البيوت وزخرفتها وفرشها بأفخر المفروشات، وكل ذلك لتتمتع أنظارهم، ولما تكبّد الناس مشاق السفر، وتكاليفه الباهظة في الرحلات إلى مختلف بلاد العالم، وكل ذلك للمتعة والتغيير، ويزداد سرورهم كلما شاهدوا في رحلاتهم مناظر جميلة وأشكالاً متنوعة.
بل لو كان التبرج أمراً عادياً لما نهى اللَّه عنه، لأن اللَّه هو الذي خلق الإنسان، ويعلم ما يصلحه وما يفسده، ولولا أن الفساد الحاصل من التبرج كبير لما نهى اللَّه عنه، ولما جعله اللَّه تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الذنوب.
وإليكم شهادة من طبيب يكذب الزعم القائل بأن التبرج أمرٌ عادي:
«أودع اللَّه الشبق الجنسي في النفس البشرية سراً من أسراره، وحكمةً من روائع حكمه جلّ شأنه، وجعل الممارسة الحسية من أعظم ما نزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأةٌ حاسرة سافرة على جمالٍ باهر، وحسنٍ ظاهر، واستهواءٍ بالغ، ولم يخف إليها، وينزع إلى جمالها، يحكم عليه الطب بأنه غير سويّ وتنقصه الرغبة الجنسية، ونقصان الرغبة الجنسية_ في عرف الطب_ مرض يستوجب العلاج والتداوي، ناهيكم عن انعدام الرغبة تماماً... وهذا بدوره مرضٌ عضال».
أقول: هذه الشهادة من طبيب حجة على من يزعمون أن خروج المرأة كاسية عارية بدون حجاب لا يثير الشهوات ولا يحرك النفوس، ويكذبون ويعتبرونه أمراً عادياً، فإن أعلى نسبة من الفجور، والإباحية، والشذوذ الجنسي، وضياع الأعراض، واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء متبرجات كاسيات عاريات، وتتناسب هذه النسبة تناسباً طردياً مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة، بل إننا نجد أعلى نسبة من الأمراض الجنسية، ومنها: مرض الإيدز القاتل الذي انتشر حديثاً في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلتاً، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى! ناهيك عن الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب للانتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الاخلاق، وأعظمها إباحية وفوضى كالسويد، وغيرها من دول الغرب!
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميق، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته، فالنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات، وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام، مع تهذيب الطبع، وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم.
الحجة السادسة:من تدّعي أن الحجاب عادات جاهلية أو رجعية.
أما الرد عليها فهو:
إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام، بل لقد ذمّ اللَّه تعالى تبرج نساء الجاهلية، فوجّه نساء المسلمين إلى عدم التبرج مثلهن، فقال جلّ شأنه: ﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ [الأحزاب/33].
صحيح إن الإسلام أبطل عادات ذميمة للعرب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم عادات حميدة أقرّها الإسلام، فلم يبطلها، كإكرام الضيف، وغير ذلك، وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرجات كاشفات الوجوه والأعناق... باديات الزينة، ففرض اللَّه الحجاب على المرأة بعد الإسلام، ليرتقي بها، ويصون كرامتها، ويمنع عنها أذى الفساق والمغرضين، وإننا ونحن نتحدث عن العرب في جاهليتهم أقول: إن العصر الحديث شهد جاهليةً كبرى وانتكاسةً عظمى لم تشهدها العصور السابقة، ولا حتى العرب في جاهليتهم، إننا مسلمون نؤمن بديننا، ونقدس تعاليمه، ونحب ربنا ونبينا أكثر من حبنا لأنفسنا، ولن نتأثر بدعاوى الجاهلية الحديثة التي هي أشد من جاهلية أبي جهل، فإذا كان التبرج في الجاهلية الأولى يتضمن إظهار المرأة لوجهها وعنقها وحليها فقط، وتمشي بين الرجال بهذه الهيئة، فإنه في الجاهلية المعاصرة أصبحنا نرى المرأة تكاد لا تغطي شيئاً من حرمات اللَّه، ونسيت أنها في حد ذاتها حرمةٌ من حرمات اللَّه، وحد من حدوده، لا يجوز أن يقربها أحد إلا أن يكون زوجها، ولا أن يرى زينتها أحد إلا أن يكون ممن بيّنهم اللَّه عزّ وجلّ في هذه الآية الكريمة:
﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور].
ولست أدري كيف تسوّل لإنسان نفسه أن يتبجّح على خالقه، ويرمي ما أمر به من سترٍ وصيانة وعفةٍ وطهارة بأنه رجعية؟ ولماذا هذه الحملة المسعورة على الحجاب الإسلامي بالذات ولا يتكلم أحد عن حدائق العراة، وبيوت الدعارة في كثيرٍ من ديار المسلمين؟
إن الرجعية الحقيقية هي ما عليه هؤلاء التقدميين من إلحاد وإنكار للبعث والحساب، بل لوجود الخالق، وتأليههم للطبيعة والأفراد، وكل هذه الأمور، والأفكار الوثنية كانت قبل الإسلام، ولما كان كل ما بعد الإسلام هو في نظرهم رجعي، إذ إنهم يعتبرون أن التمسك بتعاليم الأديان، (ومن أبرزها تعاليم الإسلام) رجعية، فلنكن رجعيين، لكنهم أشد منا تأخراً ورجعية؛ لأن ما هم عليه من رجعية سبقت ما نحن عليه من رجعية، وأكرم برجعيتنا من رجعية فنحن رجعنا إلى الشرف والعفة والفضيلة، وهم رجعوا إلى الفساد والطغيان والرذيلة.
الحجة السابعة: من تحتج بأنها ستتحجب عندما تقتنع أولاً.
أما الرد عليها فهو:
قضية الاقتناع التي تطرحها المرأة اليوم في أمر الحجاب قولٌ فيه جهلٌ وغرور، فمن أين يأتي الاقتناع؟ هل سيأتي من بحثٍ ودراسة وتحليل آيات اللَّه وحديث رسوله؟ أم أن المرأة تنتظر أن تنزل عليها آيةٌ من السماء؟ أو أن يوحى إليها، فيترتب على ذلك اقتناعها بأمر اللَّه؟
ونقول لها: إن لم تقنعك آيات اللَّه وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم فلن تقتنعي إذاً أبداً، فإن أطعت وهو أحرى بك فإنك من المؤمنات الطائعات الحييات من اللَّه، وإن لججت في القول فهو الضلال المبين.
وأقول: هل كتاب اللَّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تنزل من لدن حكيمٍ خبير، أو أن أقوال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى رأي المتبرجة القاصر وجهلها المركب؟ إن اللَّه لغنيٌّ عنها وعن اقتناعها، أتحسب أن أوامر الدين ونواهيه بضاعة تقتنع بشراء بعضها، وترك البعض الآخر؟! ألا تستحي هذه أن ترفض أوامر اللَّه بحجة أنها لم تقتنع بها بعد؟
إن في آيات اللَّه الشفاء لك من جميع الآفات الاجتماعية والنفسية وغيرها، هبي أن طبيباً وصف لك دواءً وأمرك بشربه، هل ستقولين له: لن أشربه حتى أقتنع بأنه سيشفيني؟... إنني لواثق أنك لن تترددي في شربه رغم أنه ليس مضموناً أن يشفيك من المرض، ولكنك لم تشككي، ولم تترددي؛ لأنك ظننت أن في كلام الطبيب الصدق، وأن في إطاعة أوامره صلاح جسدك وشفاءك، فكيف باللَّه تترددين في قبول أمر من خلقك وخلق الطبيب، ولم تصدقي أن في أمره الخير والفلاح والصلاح؟!
وإذا كنت لم تقتنعي حتى الآن بالحجاب الذي يضمن لك العفة والفضيلة؛ فهل اقتنعت ورضيت بالتبرج والانحلال والرذيلة؟!
الحجة الثامنة:
من تحتج بعدم التحجب بسبب سوء سلوك بعض المتحجبات:
أما الرد فهو:
إن المتحجبة بشر تخطئ وتصيب، وليس المقصود من الحجاب عصمة صاحبته من الخطأ؛ لأن كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون، وإن كنت أدعو كل متحجبةٍ لأن تبتعد عما تقع فيه الكثيرات من الأخطاء: كالغيبة، والنميمة، وغير ذلك، وأن تجتهد في أن لا يراها مخلوق إلا حيث أمرها اللَّه تعالى، مع اجتناب نواهيه، لأن صورتها في الأذهان تختلف كثيراً عن صورة غيرها من المسلمات غير المتحجبات.
وإنني هنا لا أدافع عن أخطاء بعض المتحجبات أو حتى أهاجمهن، بل أريد أن أوضح أن نظرتنا للمتحجبة؛ يجب أن تكون نظرة موضوعية، فلا نظن أنها بتحجبها تكون قد طبقت جميع أوامر الدين، وأنها أصبحت بمنأى عن الخطأ.
ويجب ألا نصدم لأقل بادرة سيئة عن متحجبة، فنتهم جميع المتحجبات بذلك، أو نرمي جميع أوامر الدين بأنها غير صالحة، لأن من المتحجبات من قد تخطئ في بعض الأمور (وأكثر أخطائهن لسانية: كالغيبة والنميمة مثلاً، فليحذرن من ذلك أشد الحذر).
إن الدين في كتاب اللَّه وسنّة رسوله, وعلى المسلمات التشبه بسيرة أهل بيته، لا سيّما نسائه، (عليهن السلام) لا بفلانة وفلان، المعرضين للخطأ ليلاً ونهاراً، وإن وجدت فتاة مسلمة في البعض قدوة سيئة؛ فإن غيرهن الكثيرات والكثيرات ممن يعتبرن قدوةً صالحة، فيا حبذا لو تحجبْتِ وكنت قدوةً صالحة لغيرك؛ بدلاً من أن تتجمدي على معاصيك، ولا تحاولي تغييرها.
الحجة التاسعة:
من تدّعي أن الحجاب يعيقها عن العمل أو التعليم
أما الرد عليها فهو:
نقول هل يعيق النقاب عن عمل عملية جراحية دقيقة جداً، وبالأخص في جراحات المخ والعيون، بالإضافة إلى سائر العمليات الجراحية التي تتطلّب الدقّة والحذر المتناهي في تنفيذها؟
بالطبع لا، فكيف إذن تدّعي المتبرجة أن النقاب يعيقها عن العمل الذي هو أدنى بكثير وبمراحل كبيرة من العمليات الجراحية؟!
إن اللَّه حرّم إظهار ما عدا الوجه والكفين، إلا لضرورةٍ ملحّة: كالشهادة في المحكمة، أو التداوي، وفي هذه الحالات تكشف عن الجزء المطلوب فقط بدون تبرّج.
الحجة العاشرة:
من تدّعي أنها لا تطيق الحجاب بحجة الحرارة أو الصداع.
أما الرد عليها فهو:
إذا كنت لا تطيقين الحجاب، فهل ستيطيقين نار جهنم؟ يقول تعالى: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة/81].
وكذلك من تحتج بأنها تشعر بالصداع لو غطت وجهها ورأسها، أقول لها: لا داعي إذاً لخروجك وتعرّضك للرجال، أو اصبري على طاعة اللَّه، ونفذي أوامره، وتذكري قوله تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65].
وكيف لا تصبر هذه على الحجاب، وهو أمرٌ بسيط بجانب ما كان يلقاه المسلمون الأوائل من ضرّ وأذى من المشركين؟ كيف، باللَّه، لو رأت هذه المتبرّجة ما رأوه؟ إذاً لكفرت باللَّه، وارتدت عن الدين، ما دامت لا تصبر على تغطية جسدها حفظاً وإكراماً لها، أتعصي أمر ربها وأمر رسوله r؛ لأجل ثوبٍ أمرت بارتدائه؟!
إن التي امتلأ قلبها بحب اللَّه ورسوله، والمؤمنين والمؤمنات، وأصرّت بصدق على اتباعهم، تجد كل ما تلقى في سبيل اللَّه هنيئاً، أفلا تكونين كذلك؟
الحجة الحادية عشرة:
من تتبرّج لتغري الشباب بخطبتها، أي بهدف الزواج منها.
أما الرد عليها فهو:
ولهذه أقول: إنك أزريت بنفسك، ونالك الكثير من الإثم، بل ارتكبت أمراً من كبائر الذنوب، وهو التبرّج في سبيل هدفٍ قد يتحقّق وقد لا يتحقّق، فإن تحقّق، فاعلمي أن الرجل الذي اختارك زوجةً له من أجل تبرّجك، فإنه سرعان ما سيخونك، أو سيتركك إلى غيرك ليتزوج منها، أو على أقلّ تقدير لن تنالي السعادة المنشودة التي تطلبها كل فتاةٍ بالزواج، وذلك عندما يجد أخريات أجمل منك؛ فإنه سيلهث وراءهن، حيث إن هدفه طلب الجمال فحسب، بل إن الأمر سيتفاقم كلما كبرت في السن، وذهب جمالك شيئاً فشيئاً بسبب الحمل والولادة ومسؤوليتك البيتية، التي لا تعتبر أمراً هيّناً على الإطلاق، وعندها سيشعرك أنك لا تساوين شيئاً، وستذهب نفسك حسرات وأنت ترين زوجك يلاحق الأخريات، لأن من تزوج بمتبرّجة لا يؤمن جانبه، كما أنه من المعروف أن المرأة كلما تقدمت في السن زهد فيها الرجال شيئاً فشيئاً، ولكن الأمر بالعكس بالنسبة للرجل، إذ إنه يجد في جميع مراحل عمره من ترضى بالزواج منه، ويكون في غالبية الأحوال قادراً على الإنجاب.
الحجة الثانية عشرة:
من تحتجّ بأن زوجها يدفعها للتبرّج أو تغيير خلق اللَّه.
أما الرد عليها فهو:
إن عليها أن تكلم زوجها بالحسنى، وترشده إلى أنها تخشى عليه من عقاب اللَّه إن هو أصرّ على منعها من التحجّب، وأبى عليها إلا أن تسير متبرّجة؛ ليعرض لحمها على زملائه، ويريهم أنه إنسانٌ عصري متحضّر، بينما لو عقل هذا بعض الشيء، لوجد أن ما يفعله فوضى، وهمجية، وانحلال، وتفسّخ، وبهيمية، ورجعية وردّة إلى عهود ما قبل التاريخ فإن أبى ذلك، وأصرّ على موقفه، لتعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن إرضاء الزوج لا يكون بارتكاب المعاصي، وإنما بالسمع والطاعة له فيما يأمر بما ليس فيه إثم، بالقيام بواجباته، وتأدية حقوقه كما بيّنها اللَّه تعالى في القرآن والسنّة.
وقد حذرنا اللَّه تعالى من أمثال هؤلاء الأزواج، فقال جلّ شانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن/14].
وفي أسوأ الاحتمالات، عند وقوع خلافات بين الزوجين، واستحكام العداء، والخوف من الفرقة، وتعريض الحياة الزوجية للانهيار، إن أصرّ كلٌّ منهما على موقفه، فإن الحل لذلك نتبيّنه من قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء/35].
الحجة الثالثة عشرة:
من تخجل من الحجاب وتخشى سخرية الناس منها لو أنها تحجبت.
أما الرد عليها فهو:
عجباً لمن تخجل من الحجاب! أتخجل منه، ولا تخجل من نظرات الرجال إلى جسدها؟ ألا تخجل من عرض مفاتنها رخيصةً أمام البر والفاجر؟ أتخجل من الفضيلة والشرف والحياء، ولا تخجل من الوقاحة والاستهتار ومعصية اللَّه؟
إن من يسخر منك يا أختاه! لا تأبهي له، ولا يثنيك عن عزمك على التحجّب، إن هؤلاء أدنى من البهائم كما وصفهم اللّه تعالى في آياتٍ كثيرة، فهل تخجلين من البهائم؟ صُمّي أذنيك عن سماعهم، واستمعي لنداء اللَّه؛ لان فيه سعادتك، ونجاحك في الدنيا والآخرة.
تقول إحدى الأخوات: لقد حدث ان رأتني بحجابي مجموعة من الفتيات، فتعالت ضحكاتهن؛ لأنهن لم يتعوّدن على رؤية الحجاب الشرعي الصحيح، فالتفت إليهن قائلةً ما علمني إياه الحقّ جلّ شأنه: إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود/38] اللَّه لقد بهتن جميعاً، ووجمن، ثم أقبلن نحوي بالاعتذرارات المختلفة... وهكذا تكون عزّة الإسلام، أعلميهن أنهن اللاتي في موضع السخرية والاستهزاء، وأنك لم تهتزي أو تتألمي لسخريتهن، فتعود سهامهن المسمومة إلى قلوبهن واصبري يا أختاه! على طاعة اللَّه، وتذكري أن شروط الفلاح أربعة متلازمة بيّنها اللَّه تعالى في سورة العصر بقوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .
الحجة الرابعة عشرة:
من تخشى على نفسها من الجنون لو التزمت بأوامر اللَّه.
اما الرد عليها فهو:
إن هذه التهمة الباطلة ألصقها الكفار من قبل برسول اللَّه r؛ لينفّروا الناس من اتباع هديه، فهل كان رسول اللَّه الذي هدى اللَّه على يديه الأمة، وكان أعلم الناس باللَّه، وأخشاهم له، وقاد أمةً بدأت حياتها بالفقر، ورعي الغنم، فرفعها اللَّه بالإسلام، حتى فتحت لها مشارق الأرض ومغاربها، وسطعت لها شمس حضارة لم تغرب إلا عندما ابتعد المسلمون عن دينهم، فهل من فعل ذلك كله يعتبر مجنوناً؟ حاشى للّه، لقد صوّر اللَّه تعالى قولهم هذا بقوله: وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [القلم/51-52].
الحجة الخامسة عشرة:
من تحتج بأنها ستتحجب عندما تكبر.
أما الرد عليها فهو:
هل ضمنت هذه العيشَ إلى أجلٍ حددته هي، فأجّلت له الطاعات، وبادرت اليوم بارتكاب الفواحش والمنكرات؟ ألم تري أن الموت لا يفرّق بين صغير وكبير، بل إن هناك من يولد ميتاً قبل أن يرى نور الحياة، فإنما هي آجالنا حسبت، وحددت لنا من قبل اللَّه سبحانه وتعالى القائل جلّ شأنه: فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [النحل/61].
وحتى لو مدّ اللَّه في أجلها فمتى ستتوب؟ إن من شروط التوبة العمل الصالح الذي يناقض العمل القبيح الذي كانت عليه، وإن عملها القبيح - وهو التبرّج، وترك الحجاب - إنما يعطي تأثيره الضار على المجتمع، من إثارة للفتن والغرائز في فترة محددة من العمر، هي بصفة عامة فترة الشباب، أما في فترة الشيخوخة عندما يذبل جمالها، وتصبح من القواعد من النساء (لو مدّ اللَّه في عمرها)؛ فإن حجابها لا يجدي نفعاً؛ لأنها لن تغري الناظرين إليها، بل إن اللَّه تعالى رخّص لها في هذه السن خلع الجلباب، فكيف باللّّه ستكتمل توبتها، أو حتى يقبلها اللَّه تعالى في زمنٍ لا يؤهلها لذلك، فالشباب ولّى؟... وهيهات أن يعود، بل كيف ستكفّر عن الأيام السالفة من عمرها، وهي بدون الحجاب، وقد بدأ اللَّه يحاسبها منذ البلوغ، خاصة وهي تعلم حرمة ذلك الفعل، ولكنها تصرّ عليه؟!
الحجة السادسة عشرة:
من تخشى على نفسها من السجون إن تحجبت.
أما الرد عليها فهو:
اصبري وصابري ورابطي، وسينصرك اللَّه ولو بعد حين، وإياك والانصراف عن الحجاب، ولو قطعت إرباً إرباً، لأن في تمسكك به قياماً لهذا الدين، وبعثاً به حياً من جديد، بعد أن ظنّ أعداء اللَّه أنهم أطفأوا نوره إلى الأبد، واللَّه متمّ نوره ولو كره الكافرون .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تنساق كثير من الفتيات وراء أهوائهن، ليتملصن من الالتزام بالمظهر الإسلامي، ويتذرعن بحجج واهية، لا يقرها شرع اللَّه تعالى، وليس لصاحبتها إلا غضب اللَّه وعذابه. إن الفتاة المؤمنة تقبل على أمر ربها، إقبال من لا تجد حرجاً في نفسها، مما قضى اللّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتسلّم تسليماً.
ومن هذه الحجج:
الحجة الأولى:
من تدّعي أن طهارة القلب، وسلامة النية يغنيان عن الحجاب.
أما الرد عليها فهو:
إن قولهم هذا فاسد يناقض بعضه بعضاً؛ لأن القلب إذا صلح والباطن إذا طهر والروح إذا زكت، لا محالة يكون السلوك وفق ما أمر اللَّه تعالى بشأنه، ولا محالة أن تخضع جوارحه للاستسلام، وتنقاد أعضاؤه لامتثال أوامر اللَّه واجتناب نواهيه، ولا يجتمع صفاء الباطن وطهارة القلب مع الإصرار على المعصية صغيرةً كانت أو كبيرة.
فمن قال إني أصلحتُ قلبي، وطهرت روحي، وصفّيت باطني، ومع ذلك يخالف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كاذبٌ في قوله، تسلّط عليه الشيطان في شؤونه؛ لأن هذين الأمرين لا يجتمعان
فكيف أيتها المتبرجة! تدّعين أن إيمانك يكفي لرضا اللَّه بينما ترفضين الانقياد للَّه الذي أمرك بعدم التبرج. قال جل شأنه
: ﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ [الأحزاب/33].
الحجة الثانية:
من تدّعي أن الصوم والصلاة يغنيان عن الحجاب.
أما الرد عليها فهو:
إن الصلاة تهذب الخلق، وتستر العورة، وتنهى صاحبها عن كل منكر وزور، فيستحي أن يراه اللَّه في موضعٍ نهاه عنه، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاءٍ ومنكر أكبر من خروج المرأة كاسية عارية مميلة مائلة ضالة مضِلّة؟ ولو كان الحجاب مظهراً أجوف؛ لما توعّد اللَّه المتبرجات بالحرمان من الجنة، وعدم شم ريحها.
إن الحجاب هو الذي يميز بين العفيفة الطائعة، والمتبرجة الفاسقة، ولو كان مظهراً أجوف؛ لما استحق كل هذا العقاب لتاركته، بل والأحاديث والآيات القرآنية الحافلة بذكره، بل ولما ترتب على تركه فسق الشباب وتركهم للجهاد، وكيف يلتفت الشاب المسلم إلى واجبه المقدس وهو تائه الفكر، منشغل الضمير، مشتت الوجدان أقصى ما يطمح إليه نظرة من هذه، أو بسمة من تلك؟! وإن حال التي تستجيب لبعض أوامر اللَّه، وتترك بعضها هي من ذمهم اللَّه تعالى بقوله: ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون﴾ [البقرة].
الحجة الثالثة:من تدّعي أن حبها للَّه ولرسوله كفيلان برضا اللَّه عنها بدون عمل.
أما الرد عليها فهو:
قال تعالى:﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ [آل عمران].
لو انتسبت إلى معهد أو مدرسة، أليس المطلوب منك أن تحضري الدروس، وتداومي وتعملي كل ما تأمرك به إدارة ذلك المعهد أو تلك المدرسة، فإذا عصيت أمر الإدارة، ولم تسمعي لها قولاً، وخالفت قوانين وأنظمة المدرسة أو المعهد، فهل تبقين منتسبةً إليه أو تفصلين منه. لا شك أنك تفصل، ولا ينفعك هذا الانتساب شيئاً. فكيف تدعين حب اللَّه ورسوله، وتنتسبين إلى الإسلام في البطاقات الشخصية، وشهادات الميلاد، وسائر الأوراق الرسمية، وتأبَين إلا الابتعاد عن شرع اللَّه، ثم ادعاء محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فأي سفاهة أبلغ من ذلك؟!
الحجة الرابعة: من تدّعي أن الحجاب تزمّت وتحتج بأن الدين يسر.
أما الرد عليها فهو:
إن تعاليم الدين الإسلامي، وتكاليفه الشرعية جميعها يسر، لا عسر فيها، وكلها في متناول يد المسلم المكلف بها، وفي استطاعته تنفيذها، إلا من كان من أصحاب الأعذار، فإن اللَّه عز وجل قد جعل لهم أمراً خاصاً. يقول تعالى: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ [البقرة/185].
وإن يسر الدين لا يعني إلغاء أوامره، وإلا فما الفائدة من فرضيتها؟ وإنما تخفف لدى الضرورة فقط وبالكيفية التي رخّص لنا بها اللَّه ورسوله، فمثلاً يجب على المصلي أن يصلي قائماً، ولكن إن لم يستطع القيام فليصلّ قاعداً، فإن لم يستطع فبالكيفية التي يقدر عليها، كما أن الصائم يرخّص له الإفطار في رمضان إن كان مسافراً، أو مريضاً، ولكن لا بد من القضاء، أو الفدية في بعض الحالات، أو الفدية والقضاء في حالات أخرى، وكل ذلك من يسر الإسلام وسماحته، أما أن نترك الصلاة، أو الصوم، أو غيرهما من التكاليف الشرعية جملةً واحدة ونقول: إن الدين يسر، وما جعل اللَّه علينا في الدين من حرج، فإن ذلك لا يجوز، ومثل ذلك الحجاب؛ فإن تركه لا يجوز، علماً بأن له رخصة كغيره من أوامر الشرع وهي أن اللَّه تعالى وضع الجلباب عن القواعد من النساء، وحتى في هذه الحالة اشترط عليهن عدم التبرج.
وقد جهلت هذه أن اللَّه أمر به على الوجوب، وأن الأحاديث النبوية فرضته، ومعلوم أن الأحاديث والآيات القرآنية حافلة بذمه واعتباره من الذنوب الموجبة لدخول النار، فهل بعد ذلك كله تجادل النساء في وجوبه وفرضيته؟!
الحجة الخامسة:من تدّعي أن التبرج أمر عادي لا يلفت النظر.
أما الرد عليها فهو:
كيف يكون التبرج أمراً عادياً ونحن نرى أن الأزواج (على سبيل المثال) تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزيّنّ وتجمّلن، كما تزداد الشهوة على الطعام كلما كان منسقاً، متنوعاً، جميلاً في ترتيبه، حتى ولو لم يكن لذيذ الطعم؟
ولو كان التزيين أمراً عادياً لما تنافس الناس في تزيين البيوت وزخرفتها وفرشها بأفخر المفروشات، وكل ذلك لتتمتع أنظارهم، ولما تكبّد الناس مشاق السفر، وتكاليفه الباهظة في الرحلات إلى مختلف بلاد العالم، وكل ذلك للمتعة والتغيير، ويزداد سرورهم كلما شاهدوا في رحلاتهم مناظر جميلة وأشكالاً متنوعة.
بل لو كان التبرج أمراً عادياً لما نهى اللَّه عنه، لأن اللَّه هو الذي خلق الإنسان، ويعلم ما يصلحه وما يفسده، ولولا أن الفساد الحاصل من التبرج كبير لما نهى اللَّه عنه، ولما جعله اللَّه تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الذنوب.
وإليكم شهادة من طبيب يكذب الزعم القائل بأن التبرج أمرٌ عادي:
«أودع اللَّه الشبق الجنسي في النفس البشرية سراً من أسراره، وحكمةً من روائع حكمه جلّ شأنه، وجعل الممارسة الحسية من أعظم ما نزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأةٌ حاسرة سافرة على جمالٍ باهر، وحسنٍ ظاهر، واستهواءٍ بالغ، ولم يخف إليها، وينزع إلى جمالها، يحكم عليه الطب بأنه غير سويّ وتنقصه الرغبة الجنسية، ونقصان الرغبة الجنسية_ في عرف الطب_ مرض يستوجب العلاج والتداوي، ناهيكم عن انعدام الرغبة تماماً... وهذا بدوره مرضٌ عضال».
أقول: هذه الشهادة من طبيب حجة على من يزعمون أن خروج المرأة كاسية عارية بدون حجاب لا يثير الشهوات ولا يحرك النفوس، ويكذبون ويعتبرونه أمراً عادياً، فإن أعلى نسبة من الفجور، والإباحية، والشذوذ الجنسي، وضياع الأعراض، واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء متبرجات كاسيات عاريات، وتتناسب هذه النسبة تناسباً طردياً مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة، بل إننا نجد أعلى نسبة من الأمراض الجنسية، ومنها: مرض الإيدز القاتل الذي انتشر حديثاً في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلتاً، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى! ناهيك عن الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب للانتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الاخلاق، وأعظمها إباحية وفوضى كالسويد، وغيرها من دول الغرب!
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميق، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته، فالنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات، وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام، مع تهذيب الطبع، وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم.
الحجة السادسة:من تدّعي أن الحجاب عادات جاهلية أو رجعية.
أما الرد عليها فهو:
إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام، بل لقد ذمّ اللَّه تعالى تبرج نساء الجاهلية، فوجّه نساء المسلمين إلى عدم التبرج مثلهن، فقال جلّ شأنه: ﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ [الأحزاب/33].
صحيح إن الإسلام أبطل عادات ذميمة للعرب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم عادات حميدة أقرّها الإسلام، فلم يبطلها، كإكرام الضيف، وغير ذلك، وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرجات كاشفات الوجوه والأعناق... باديات الزينة، ففرض اللَّه الحجاب على المرأة بعد الإسلام، ليرتقي بها، ويصون كرامتها، ويمنع عنها أذى الفساق والمغرضين، وإننا ونحن نتحدث عن العرب في جاهليتهم أقول: إن العصر الحديث شهد جاهليةً كبرى وانتكاسةً عظمى لم تشهدها العصور السابقة، ولا حتى العرب في جاهليتهم، إننا مسلمون نؤمن بديننا، ونقدس تعاليمه، ونحب ربنا ونبينا أكثر من حبنا لأنفسنا، ولن نتأثر بدعاوى الجاهلية الحديثة التي هي أشد من جاهلية أبي جهل، فإذا كان التبرج في الجاهلية الأولى يتضمن إظهار المرأة لوجهها وعنقها وحليها فقط، وتمشي بين الرجال بهذه الهيئة، فإنه في الجاهلية المعاصرة أصبحنا نرى المرأة تكاد لا تغطي شيئاً من حرمات اللَّه، ونسيت أنها في حد ذاتها حرمةٌ من حرمات اللَّه، وحد من حدوده، لا يجوز أن يقربها أحد إلا أن يكون زوجها، ولا أن يرى زينتها أحد إلا أن يكون ممن بيّنهم اللَّه عزّ وجلّ في هذه الآية الكريمة:
﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور].
ولست أدري كيف تسوّل لإنسان نفسه أن يتبجّح على خالقه، ويرمي ما أمر به من سترٍ وصيانة وعفةٍ وطهارة بأنه رجعية؟ ولماذا هذه الحملة المسعورة على الحجاب الإسلامي بالذات ولا يتكلم أحد عن حدائق العراة، وبيوت الدعارة في كثيرٍ من ديار المسلمين؟
إن الرجعية الحقيقية هي ما عليه هؤلاء التقدميين من إلحاد وإنكار للبعث والحساب، بل لوجود الخالق، وتأليههم للطبيعة والأفراد، وكل هذه الأمور، والأفكار الوثنية كانت قبل الإسلام، ولما كان كل ما بعد الإسلام هو في نظرهم رجعي، إذ إنهم يعتبرون أن التمسك بتعاليم الأديان، (ومن أبرزها تعاليم الإسلام) رجعية، فلنكن رجعيين، لكنهم أشد منا تأخراً ورجعية؛ لأن ما هم عليه من رجعية سبقت ما نحن عليه من رجعية، وأكرم برجعيتنا من رجعية فنحن رجعنا إلى الشرف والعفة والفضيلة، وهم رجعوا إلى الفساد والطغيان والرذيلة.
الحجة السابعة: من تحتج بأنها ستتحجب عندما تقتنع أولاً.
أما الرد عليها فهو:
قضية الاقتناع التي تطرحها المرأة اليوم في أمر الحجاب قولٌ فيه جهلٌ وغرور، فمن أين يأتي الاقتناع؟ هل سيأتي من بحثٍ ودراسة وتحليل آيات اللَّه وحديث رسوله؟ أم أن المرأة تنتظر أن تنزل عليها آيةٌ من السماء؟ أو أن يوحى إليها، فيترتب على ذلك اقتناعها بأمر اللَّه؟
ونقول لها: إن لم تقنعك آيات اللَّه وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم فلن تقتنعي إذاً أبداً، فإن أطعت وهو أحرى بك فإنك من المؤمنات الطائعات الحييات من اللَّه، وإن لججت في القول فهو الضلال المبين.
وأقول: هل كتاب اللَّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تنزل من لدن حكيمٍ خبير، أو أن أقوال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى رأي المتبرجة القاصر وجهلها المركب؟ إن اللَّه لغنيٌّ عنها وعن اقتناعها، أتحسب أن أوامر الدين ونواهيه بضاعة تقتنع بشراء بعضها، وترك البعض الآخر؟! ألا تستحي هذه أن ترفض أوامر اللَّه بحجة أنها لم تقتنع بها بعد؟
إن في آيات اللَّه الشفاء لك من جميع الآفات الاجتماعية والنفسية وغيرها، هبي أن طبيباً وصف لك دواءً وأمرك بشربه، هل ستقولين له: لن أشربه حتى أقتنع بأنه سيشفيني؟... إنني لواثق أنك لن تترددي في شربه رغم أنه ليس مضموناً أن يشفيك من المرض، ولكنك لم تشككي، ولم تترددي؛ لأنك ظننت أن في كلام الطبيب الصدق، وأن في إطاعة أوامره صلاح جسدك وشفاءك، فكيف باللَّه تترددين في قبول أمر من خلقك وخلق الطبيب، ولم تصدقي أن في أمره الخير والفلاح والصلاح؟!
وإذا كنت لم تقتنعي حتى الآن بالحجاب الذي يضمن لك العفة والفضيلة؛ فهل اقتنعت ورضيت بالتبرج والانحلال والرذيلة؟!
الحجة الثامنة:
من تحتج بعدم التحجب بسبب سوء سلوك بعض المتحجبات:
أما الرد فهو:
إن المتحجبة بشر تخطئ وتصيب، وليس المقصود من الحجاب عصمة صاحبته من الخطأ؛ لأن كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون، وإن كنت أدعو كل متحجبةٍ لأن تبتعد عما تقع فيه الكثيرات من الأخطاء: كالغيبة، والنميمة، وغير ذلك، وأن تجتهد في أن لا يراها مخلوق إلا حيث أمرها اللَّه تعالى، مع اجتناب نواهيه، لأن صورتها في الأذهان تختلف كثيراً عن صورة غيرها من المسلمات غير المتحجبات.
وإنني هنا لا أدافع عن أخطاء بعض المتحجبات أو حتى أهاجمهن، بل أريد أن أوضح أن نظرتنا للمتحجبة؛ يجب أن تكون نظرة موضوعية، فلا نظن أنها بتحجبها تكون قد طبقت جميع أوامر الدين، وأنها أصبحت بمنأى عن الخطأ.
ويجب ألا نصدم لأقل بادرة سيئة عن متحجبة، فنتهم جميع المتحجبات بذلك، أو نرمي جميع أوامر الدين بأنها غير صالحة، لأن من المتحجبات من قد تخطئ في بعض الأمور (وأكثر أخطائهن لسانية: كالغيبة والنميمة مثلاً، فليحذرن من ذلك أشد الحذر).
إن الدين في كتاب اللَّه وسنّة رسوله, وعلى المسلمات التشبه بسيرة أهل بيته، لا سيّما نسائه، (عليهن السلام) لا بفلانة وفلان، المعرضين للخطأ ليلاً ونهاراً، وإن وجدت فتاة مسلمة في البعض قدوة سيئة؛ فإن غيرهن الكثيرات والكثيرات ممن يعتبرن قدوةً صالحة، فيا حبذا لو تحجبْتِ وكنت قدوةً صالحة لغيرك؛ بدلاً من أن تتجمدي على معاصيك، ولا تحاولي تغييرها.
الحجة التاسعة:
من تدّعي أن الحجاب يعيقها عن العمل أو التعليم
أما الرد عليها فهو:
نقول هل يعيق النقاب عن عمل عملية جراحية دقيقة جداً، وبالأخص في جراحات المخ والعيون، بالإضافة إلى سائر العمليات الجراحية التي تتطلّب الدقّة والحذر المتناهي في تنفيذها؟
بالطبع لا، فكيف إذن تدّعي المتبرجة أن النقاب يعيقها عن العمل الذي هو أدنى بكثير وبمراحل كبيرة من العمليات الجراحية؟!
إن اللَّه حرّم إظهار ما عدا الوجه والكفين، إلا لضرورةٍ ملحّة: كالشهادة في المحكمة، أو التداوي، وفي هذه الحالات تكشف عن الجزء المطلوب فقط بدون تبرّج.
الحجة العاشرة:
من تدّعي أنها لا تطيق الحجاب بحجة الحرارة أو الصداع.
أما الرد عليها فهو:
إذا كنت لا تطيقين الحجاب، فهل ستيطيقين نار جهنم؟ يقول تعالى: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة/81].
وكذلك من تحتج بأنها تشعر بالصداع لو غطت وجهها ورأسها، أقول لها: لا داعي إذاً لخروجك وتعرّضك للرجال، أو اصبري على طاعة اللَّه، ونفذي أوامره، وتذكري قوله تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65].
وكيف لا تصبر هذه على الحجاب، وهو أمرٌ بسيط بجانب ما كان يلقاه المسلمون الأوائل من ضرّ وأذى من المشركين؟ كيف، باللَّه، لو رأت هذه المتبرّجة ما رأوه؟ إذاً لكفرت باللَّه، وارتدت عن الدين، ما دامت لا تصبر على تغطية جسدها حفظاً وإكراماً لها، أتعصي أمر ربها وأمر رسوله r؛ لأجل ثوبٍ أمرت بارتدائه؟!
إن التي امتلأ قلبها بحب اللَّه ورسوله، والمؤمنين والمؤمنات، وأصرّت بصدق على اتباعهم، تجد كل ما تلقى في سبيل اللَّه هنيئاً، أفلا تكونين كذلك؟
الحجة الحادية عشرة:
من تتبرّج لتغري الشباب بخطبتها، أي بهدف الزواج منها.
أما الرد عليها فهو:
ولهذه أقول: إنك أزريت بنفسك، ونالك الكثير من الإثم، بل ارتكبت أمراً من كبائر الذنوب، وهو التبرّج في سبيل هدفٍ قد يتحقّق وقد لا يتحقّق، فإن تحقّق، فاعلمي أن الرجل الذي اختارك زوجةً له من أجل تبرّجك، فإنه سرعان ما سيخونك، أو سيتركك إلى غيرك ليتزوج منها، أو على أقلّ تقدير لن تنالي السعادة المنشودة التي تطلبها كل فتاةٍ بالزواج، وذلك عندما يجد أخريات أجمل منك؛ فإنه سيلهث وراءهن، حيث إن هدفه طلب الجمال فحسب، بل إن الأمر سيتفاقم كلما كبرت في السن، وذهب جمالك شيئاً فشيئاً بسبب الحمل والولادة ومسؤوليتك البيتية، التي لا تعتبر أمراً هيّناً على الإطلاق، وعندها سيشعرك أنك لا تساوين شيئاً، وستذهب نفسك حسرات وأنت ترين زوجك يلاحق الأخريات، لأن من تزوج بمتبرّجة لا يؤمن جانبه، كما أنه من المعروف أن المرأة كلما تقدمت في السن زهد فيها الرجال شيئاً فشيئاً، ولكن الأمر بالعكس بالنسبة للرجل، إذ إنه يجد في جميع مراحل عمره من ترضى بالزواج منه، ويكون في غالبية الأحوال قادراً على الإنجاب.
الحجة الثانية عشرة:
من تحتجّ بأن زوجها يدفعها للتبرّج أو تغيير خلق اللَّه.
أما الرد عليها فهو:
إن عليها أن تكلم زوجها بالحسنى، وترشده إلى أنها تخشى عليه من عقاب اللَّه إن هو أصرّ على منعها من التحجّب، وأبى عليها إلا أن تسير متبرّجة؛ ليعرض لحمها على زملائه، ويريهم أنه إنسانٌ عصري متحضّر، بينما لو عقل هذا بعض الشيء، لوجد أن ما يفعله فوضى، وهمجية، وانحلال، وتفسّخ، وبهيمية، ورجعية وردّة إلى عهود ما قبل التاريخ فإن أبى ذلك، وأصرّ على موقفه، لتعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن إرضاء الزوج لا يكون بارتكاب المعاصي، وإنما بالسمع والطاعة له فيما يأمر بما ليس فيه إثم، بالقيام بواجباته، وتأدية حقوقه كما بيّنها اللَّه تعالى في القرآن والسنّة.
وقد حذرنا اللَّه تعالى من أمثال هؤلاء الأزواج، فقال جلّ شانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن/14].
وفي أسوأ الاحتمالات، عند وقوع خلافات بين الزوجين، واستحكام العداء، والخوف من الفرقة، وتعريض الحياة الزوجية للانهيار، إن أصرّ كلٌّ منهما على موقفه، فإن الحل لذلك نتبيّنه من قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء/35].
الحجة الثالثة عشرة:
من تخجل من الحجاب وتخشى سخرية الناس منها لو أنها تحجبت.
أما الرد عليها فهو:
عجباً لمن تخجل من الحجاب! أتخجل منه، ولا تخجل من نظرات الرجال إلى جسدها؟ ألا تخجل من عرض مفاتنها رخيصةً أمام البر والفاجر؟ أتخجل من الفضيلة والشرف والحياء، ولا تخجل من الوقاحة والاستهتار ومعصية اللَّه؟
إن من يسخر منك يا أختاه! لا تأبهي له، ولا يثنيك عن عزمك على التحجّب، إن هؤلاء أدنى من البهائم كما وصفهم اللّه تعالى في آياتٍ كثيرة، فهل تخجلين من البهائم؟ صُمّي أذنيك عن سماعهم، واستمعي لنداء اللَّه؛ لان فيه سعادتك، ونجاحك في الدنيا والآخرة.
تقول إحدى الأخوات: لقد حدث ان رأتني بحجابي مجموعة من الفتيات، فتعالت ضحكاتهن؛ لأنهن لم يتعوّدن على رؤية الحجاب الشرعي الصحيح، فالتفت إليهن قائلةً ما علمني إياه الحقّ جلّ شأنه: إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود/38] اللَّه لقد بهتن جميعاً، ووجمن، ثم أقبلن نحوي بالاعتذرارات المختلفة... وهكذا تكون عزّة الإسلام، أعلميهن أنهن اللاتي في موضع السخرية والاستهزاء، وأنك لم تهتزي أو تتألمي لسخريتهن، فتعود سهامهن المسمومة إلى قلوبهن واصبري يا أختاه! على طاعة اللَّه، وتذكري أن شروط الفلاح أربعة متلازمة بيّنها اللَّه تعالى في سورة العصر بقوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .
الحجة الرابعة عشرة:
من تخشى على نفسها من الجنون لو التزمت بأوامر اللَّه.
اما الرد عليها فهو:
إن هذه التهمة الباطلة ألصقها الكفار من قبل برسول اللَّه r؛ لينفّروا الناس من اتباع هديه، فهل كان رسول اللَّه الذي هدى اللَّه على يديه الأمة، وكان أعلم الناس باللَّه، وأخشاهم له، وقاد أمةً بدأت حياتها بالفقر، ورعي الغنم، فرفعها اللَّه بالإسلام، حتى فتحت لها مشارق الأرض ومغاربها، وسطعت لها شمس حضارة لم تغرب إلا عندما ابتعد المسلمون عن دينهم، فهل من فعل ذلك كله يعتبر مجنوناً؟ حاشى للّه، لقد صوّر اللَّه تعالى قولهم هذا بقوله: وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [القلم/51-52].
الحجة الخامسة عشرة:
من تحتج بأنها ستتحجب عندما تكبر.
أما الرد عليها فهو:
هل ضمنت هذه العيشَ إلى أجلٍ حددته هي، فأجّلت له الطاعات، وبادرت اليوم بارتكاب الفواحش والمنكرات؟ ألم تري أن الموت لا يفرّق بين صغير وكبير، بل إن هناك من يولد ميتاً قبل أن يرى نور الحياة، فإنما هي آجالنا حسبت، وحددت لنا من قبل اللَّه سبحانه وتعالى القائل جلّ شأنه: فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [النحل/61].
وحتى لو مدّ اللَّه في أجلها فمتى ستتوب؟ إن من شروط التوبة العمل الصالح الذي يناقض العمل القبيح الذي كانت عليه، وإن عملها القبيح - وهو التبرّج، وترك الحجاب - إنما يعطي تأثيره الضار على المجتمع، من إثارة للفتن والغرائز في فترة محددة من العمر، هي بصفة عامة فترة الشباب، أما في فترة الشيخوخة عندما يذبل جمالها، وتصبح من القواعد من النساء (لو مدّ اللَّه في عمرها)؛ فإن حجابها لا يجدي نفعاً؛ لأنها لن تغري الناظرين إليها، بل إن اللَّه تعالى رخّص لها في هذه السن خلع الجلباب، فكيف باللّّه ستكتمل توبتها، أو حتى يقبلها اللَّه تعالى في زمنٍ لا يؤهلها لذلك، فالشباب ولّى؟... وهيهات أن يعود، بل كيف ستكفّر عن الأيام السالفة من عمرها، وهي بدون الحجاب، وقد بدأ اللَّه يحاسبها منذ البلوغ، خاصة وهي تعلم حرمة ذلك الفعل، ولكنها تصرّ عليه؟!
الحجة السادسة عشرة:
من تخشى على نفسها من السجون إن تحجبت.
أما الرد عليها فهو:
اصبري وصابري ورابطي، وسينصرك اللَّه ولو بعد حين، وإياك والانصراف عن الحجاب، ولو قطعت إرباً إرباً، لأن في تمسكك به قياماً لهذا الدين، وبعثاً به حياً من جديد، بعد أن ظنّ أعداء اللَّه أنهم أطفأوا نوره إلى الأبد، واللَّه متمّ نوره ولو كره الكافرون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق