المشاركات الشائعة

28‏/10‏/2014

الأرملة بين مطرقة الحزن وسندان المعاناة اعجبني فنقلته لكم












فيض من الدف والحنان اجتاح حياتها لسنوات، نامت قريرة العين بملء الجفون، ملكة عزيزة تربعت على عرش قلب حنون، جل همه حمايتها وتأمين احتياجاتها، حلم جميل عاشته لسنوات لتستيقظ منه على كابوس مرعب يزعزع أمنها ويهدم سقف حياتها، وبركان ملتهب يحرق بزفراته المستعرة قلبها ويقضي على سعادتها ويبدد أحلامها، إعصار ثائر يطيح بتوازنها، يقتلع مرة واحدة كلما هو ثابت وراسخ في سني عمرها، ليتركها نصف مبتور محطم بعد أن رحل نصفه الآخر، هذا هو حال من فقدت أنيسها ورفيق عمرها، لتغدو (أرملة) بعد أن كانت زوجة، و (أم اليتامى) بعد أن كانت (أم الأولاد).


المعاناة النفسية

إن موت الزوج صدمة مدمرة للزوجة خصوصا إن كان مفاجئا، فتحس أن عقلها قد شل وتكاد أن تفقد صوابها لهول الصدمة التي قلبت حياتها رأسا على عقب، لتستمر الأرملة بعد الصدمة الأولى لشهر ونصف تقريبا، لا تهنىء بنوم أو طعام وتفقد الرغبة في الحياة أو الكلام فهي في مرحلة فقد التوازن ثم تهدأ أحزانها شيئا فشيئا، فالأمومة والإحساس بالمسؤولية يحركانها – كالمخدرة- للاهتمام بطعام الأولاد وشرابهم، بلا حيوية أو بسمة، تتشبت بكل تذكار من زوجها، تتأمل صورته في ملامح أولادها، لتنفجر حزنا وبكاءا وكأنه مات من لحظتها، وبعد فترة تعود إليها الابتسامة وقد تضحك أحيانا وتشارك الناس، وينتظم حالها ونومها، إلا أنها لا تنفك تشعر بالفقد وفي هذه المرحلة تبدأ بتفهم وقبول وضعها الجديد، إذ عليها أن تشق طريقها في الحياة وحدها.
إنّ استعادة التوازن النفسي للأرملة يختلف من امرأة إلى أخرى فنحو 85% من الأرامل يعدن للحياة الطبيعية دون مساعدة طبية ويكون ذلك خلال ثلاث سنوات، و15% منهن يحتجن إلى مساعدة طبيب نفساني لاستحكام الحزن على حياتهن حتى لا يغدو مرضا له أعراض جسدية ونفسية مؤلمة كالاكتئاب والأرق.


المعاناة الاقتصادية

يقال أرمل فلان إذا نفذ زاده، وأرملت المرأة إذا مات زوجها، والعلاقة بين الافتقار ونفاذ الزاد والترمل وثيقة، لأن الأرملة تفقد بموت زوجها معنويا وماديا. وهي الآن وحيدة بلا معيل أو كفيل، وهذا بحد ذاته يمثل كارثة بالنسبة للأرملة لا سيما ربة البيت غير العاملة، فهي لا تعرف إلى ماذا سينتهي أمرها، هل ستكون بحاجة هذا أو ذاك؟ كيف ستؤمن متطلبات يتاماها التي لا تنتهي، مسؤولية تحتم عليها إعادة حساباتها والاستعداد لوضع مادي مممختلف يتطلب منها الحكمة والاقتصاد أو ربما التقشف ولو لفترة، مع مراعاة حقوق يتاماها المالية شرعا وقانونا، فهم أمانة ومسؤولية كبيرة تشغل كاهل الأرملة، فهناك أفواه وبطون يجب أن تشبع وأجساد يجب أن تلبس وتنام وتتعلم و....و....و....، فكيف بها إن كانت في وضع مادي متعسر أصلا، لم يترك لها الزوج شيئا تستند عليه في حياتها المقبلة من مال أو ملك وغيرها، وهذا أغلب ما تعانيه الأرملة بعد فقد زوجها.
لقد كانت المعاناة الاقتصادية جل هم الأرامل اللاتي التقينا بهن في مقر مؤسسة المعصومين الأربعة عشر في كربلاء المقدسة قسم كفالة اليتامى والأرامل، حيث التقينا بعدد من الأخوات روين لنا قصصاً وإن اختلفت فيها أعمارهن وظروف فقد أزواجهن إلا أنهن يشتركن في الوحدة والأسى، يجمعهن عمق المعاناة الاقتصادية بعد فقد المعيل (الزوج).
الأخت جنان - من مواليد 1963 – لديها خمس بنات وولد واحد روت لنا قصتها قائلة: تعرض زوجي لحادث حيث سقط من أعلى الدرج وتقطعت شرايينه وتوفي، كانت أصغر بنت لدي عمرها شهران، عشت بعدها تسع سنوات من القهر والمعاناة، حتى أهل زوجي لم يرحموني ولم تمضي سنة على وفاة زوجي حتى طردوني ورموا بأغراضي إلى الشارع.
مرت علينا أيام لم يكن لدينا طعام كنت أضع القدر خاليا على النار، ليس فيه إلا الماء المغلي، أوهم أطفالي الجياع بأني أعد الطعام، يطول الوقت ويسألوني عن الطعام أقول بعد قليل، حتى يتعبوا ويناموا جياع...
الأخت زهراء مواليد 1974 تقول: كنا في الحمزة الغربي وكان هناك حسينية أقيم فيها مجلس عزاء حضره زوجي وأخاه، وكان هذا سبب اعتقاله مع أخيه من قبل ازلام النظام السابق وبعد سنة وثلاثة أشهر تسلمنا أوراق إعدامهما وطلب منا استلام الجثث، ترك لي زوجي أربعة أولاد، عشت بعدها مع أهل زوجي إذ إنني ليس لدي راتب أو بيت أعيش فيه، كان من الصعب الحصول على عمل يلائم وضعي، فأنا أقوم برعاية أم زوجي الضريرة وزوجها العجوز، وقد كانت أخت زوجي تعيلنا وتعطينا كل شهر 50 ألف دينار وقد تزوجت وتركتنا لظروفنا الصعبة، وأنا الان في حيرة من أمري وأحاول أن أدبر أمري من هنا وهناك.
القصة الأخرى ترويها لنا الأخت لمياء أحمد قائلة: توفي زوجي اثر عجز في الكليتين بعد أن بعت بيتي وأغراضي من أجل مصاريف علاجه ورحل بعد أربع سنوات من المعاناة تاركا لي 4 أولاد أصغرهم بعمر ستة أشهر وثلاث بنات تركنا بدون مأوى أو مال حتى إنني اضطررت لشراء قطعة ارض (تجاوز) ب 600 ألف وبنيتها (2،5) مليون من الجذوع، وآمل أن يرحمنا أحد ببيت ملك، ليخلصنا من الإيجار الذي أرهق كاهلي منذ عام 1992 إلى الان والذي اضطرني إلى ما عملت.
قصص كثيرة يتفجر منها القلب حزنا وألما أيقنت صاحباتها بأنها بدأت بفقد الزوج، ولكن ما لا يعلمنه أبدا إلى ماذا ومتى ستنتهي؟


تربيـــــة الأولاد

إن المرأة برقتها وحنانها وصبرها، والرجل بقوته وحزمه وحكمته يمثلان ثنائيا يكمل بعضهما الآخر في مممختلف مفاصل الحياة، ومنها تربية الأولاد التي تحتاج إلى حنان الأم وحزم الأب، وبفقد الزوج فان المسؤولية المتراكمة على عاتق المرأة في التربية تأخذ بعنق المرأة لأداء دور الأم والأب في آن واحد لتسد النقص الذي خلفه موت زوجها. ولكي تحافظ على الأسرة والأولاد من الانهيار والضياع عليها التكيف مع مسؤولياتها الجديدة والتزام جانب الحكمة والسيطرة والتوازن في التعامل مع يتاماها وتجنب الإفراط أو التفريط سواء في الشدة والحزم أو العطف والحنان المطلوبين في تربية الأولاد، فخوف الأم أحيانا من فقدان السيطرة على الأولاد بعد غياب الأب يجعلها تغالي في الحزم والشدة معهم، وبعضهن يسعين لتعويض أولادهن إلى حد الدلال وكلتا الحالتين خاطئة تؤدي إلى نتائج سلبية، لذا لابد لها من الاعتدال ومسك العصا من النصف خصوصا مع الأولاد الذكور الذين فقدوا مثلهم الأعلى وهو (الأب) – لذا فإنهم يعانون مشاكل نفسية تحتاج منها إلى تعامل خاص وحكمة ودراية.
عجلة الزمن دائما في دوران لا يوقفها أبدا موت إنسان، وليس من الصواب الظن بأن الترمل هو نهاية الدنيا، بل هو البداية لمسيرة كفاح مقبلة لابد فيها من كسب الرهان، حتى لا نخسر كل الأشياء، والأولى من التحسر على ما فات النظر بل التفاؤل لما هو آت، والتطلع للغد والتخطيط للمستقبل وللأولاد، وكفى بالأرملة علما أن الله معها خير كافل ومعين قادر على أن يعوضها بأولادها خيرا، أو بزوج آخر خير مما فقدت، بل كفاها عوضا قول رسول الله (ص) إذ قال (ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).



نصائح وإرشادات

1- على الأرملة التكيف مع وضعها الجديد وتفويض أمرها لله والتحلي بالأيمان والصبر لمواجهة ما ينتظرها.
2- حاولي إيجاد فرصة عمل لتأمين حاجة أسرتك الاقتصادية ولا تتردي في طلب المساندة من الأهل والمقربين كالأبويين والإخوة، على أن يبادر هؤلاء للأخذ بيدك ومساندتك.
3- طالعي بعض الكتب التربوية لا سيما الخاصة في التعامل مع الأيتام لتعينك في تربية أولادك.
4- حافظي على الحقوق الشرعية لأولادك اليتامى فهم أمانه في عنقك.
5- ليس عيبا شفاؤك من حالة الحزن والأسى على فقدك فهو أمر طبيعي لايستدعي منك الخجل أو الإحساس بالذنب.
6- لا تتردي في الزواج ممن يتقدم لخطبتك إذا توفرت فيه المواصفات المناسبة، ولا تقعي في فخ الخوف من صورة زوج الأم القاسي، أو الخوف من ملامة الناس وكلامهم، أو الإحساس بالخيانة لزوجك الراحل، فقد يكون في هذا الزواج خير سند ومعين لك ولأولادك إذا أحسنت الاختيار، فلا تفوتي فرصة النجاة والسعادة بكافة أشكالها.
7- على مؤسسات الدولة والمؤسسات الإنسانية المختلفة مد يد العون والمساندة للأرملة بإقامة دورات تدريبية تمكنها من الكسب والعمل مثل الخياطة والتمريض وغيرها وتوفير فرص عمل مناسبة ودعمها ماديا ومعنويا.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق